سُئلت سؤال أراه غاية في الصدق والأهمية 'لماذا تركز مع تصرفات المؤسسة الكنسية'
سأجيب علي هذا السؤال في عدة نقاط
النقطة الأولي تتلخص في وجود مثلث 'السلطة (الدولة) والمؤسسة الكنسية والمصريين المسيحيين'
العلاقة بين أول إثنين هي علاقة نفعية تبادلية علي أنقاض جثث ودماء ال'طرف الثالث'
فتشوا في التاريخ والأحداث وستروا ما أراه,,ستروا المستقبل أيضا
فتشوا التاريخ والأحداث وإسمعوا عويل الأهالي وأنظروا إلي إبتسامات هؤلاء وهؤلاء وهم يفتحون أفواهم علي مصراعيها ضاحكين في إزدراء مهين للضحاياوالحقوق،عندها فقط ستشعروا بما أشعر به.
النقطة الثانية معنية بما يمكن للكنيسة أن تقدمه لشعبها سياسياً
قبل آن ندخل في التفاصيل علينا أن نُعَرِف مصطلح مهم جدا يتسبب في لغط ودفاع أوتوماتيكي من البعض لمجرد سماعهم سيرة "الكنيسة"
الكنيسة في تعريفاتها الآولي تعني :"جماعة المؤمنين"
ولكن عندما نستخدم مصطلح "الكنيسة" في السياسة فنحن هنا لا نعني بالتأكيد جماعة المؤمنين فهذا أمر لا يعنينا ولا يشغلنا ولكن ما يعنيه هذا المصطلح هو :"المؤسسة الكنسية"
"المؤسسة الكنسية" إصطلاح يقصد به الإشارة إلي القيادات الكنسية والرجال القائمين علي شؤن الكنيسة،وإذا وضعت في الإعتبار أن المؤسسة الكنسية مؤسسة "هرمية" تقدس "الأقدمية" (يطلقون علي تقديس الأقدمية:تسليم،طاعة وكلمات أخري) مثلها مثل الجيش ،ستكتشف أنك يمكنك أن تختزل موقف القواعد من خلال مواقف وأراء قيادات،،وإذا كانت كلمة "تختذل" مستفزة أو توحي بالظلم أو الحكم المسبق فيمكنك أن تستبدلها بكلمة "تتوقع" ولتجعل الظروف والمواقف هي الحكم.
النقطة الثالثة أن التدخلات الكنسية في السياسة ليست بالضرورة كلها ناجمة عن حب للسيطرة آو سوء نية،ولكن بعضها (وليس كلها) سببه :
-عدم وجود بديل لرعاية مصالح المصريين المسيحيين (خاصة الفقراء منهم)
-تراجع الدولة عن القيام بدورها (الرعاية الصحية،العدالة الإجتماعية)
-تغلغل فكرة الراعي الرعية في ذهن المصريين المسيحيين (الراعي هو البطرك،والرعية هم الشعب) وتشعب هذه الفكرة وعدم اقتصارها علي الجوانب الروحية و إمتدادها إلي الجوانب السياسية والإجتماعية والإقتصادية
إذا عدنا للنقطة الأولي سنجد الأتي؛ السلطة السياسية دائما ما تحاول أن تستغل وتقهر أفراد الشعب إما بهدف ألاعيب سياسية أو إختلاس أموالهم أو سحق إرادتهم ومصلحتهم في سبيل إرادة ومصلحة من هم في السلطة،، وهذا طبيعي ووارد الحدوث في أي وقت وفي أي مكان
بالنسبة للنقطة الثانية ؛السلطة الكنسية يهمها الأتي:
- رعاية أبنائها روحياً
-رعاية أبنائها ماديا وإجتماعيا (بسبب تراجع دور الدولة كما سبق وأشرنا)
- حماية رعيتها من بطش السلطة (أو جيرانهم المحيطين بهم-تذكر حوادث الجرائم الطائفية التي تنشب من حين للأخر) –(الجدير بالذكر أن نمط الحماية هذا يكون شبيه بحماية قطيع ماشية, المقصود هنا هو السعي وراء أقل الخسائر,مثل مايحدث بشكل دوري أن تتدخل الكنيسة للوساطة لحل مشكلة ما بعد إعتداء تم علي مصريين مسيحيين في قرية ما,فتتوسط الكنيسة لحل المشكلة فنصل أخيراً إلي تهجير أسر المصريين المسيحيين لحماية من تم إنقاذهم من البطش - ومن تم البطش به يقال له :في العالم سيكون لكم ضيق- وليذهب الضغط الشعبي أو الحقوقي من أجل إعمال القانون ومعاقبة الجناة إلي الجحيم )
- بناء كنائس أو عمل توسعات في كنائس موجودة أصلا لإستيعاب الزيادة الطبيعية للأعداد.
وهكذا الكنيسة – كمؤسسة وليس الشعب الكنسي- لم (ولن) تتبني مواقف نضالية أو ثورية خلال ال60 سنة الأخيرة (علي الأقل) لعدة أسباب :
-يخاف البعض آن يؤثر تبني مثل هذه المواقف بالسالب علي المصريين المسيحيين (بالأخص الأكثر فقراً منهم)
-الكنيسة تحتاج إلي تصاريح بناء وتوسعات إنشائية ،وهذه التصريحات تصدر من الدولة
-الكنيسة مؤسسة تقوم علي التسلسل الهرمي ،وتقدس الأقدمية والشيخوخة وليست مؤسسة ثورية أو يمكن أن تتبني فكر ثوري ،،إما بسبب الكسل أو الضغوط أو بسبب ترويج أفكار ملخصها أن الله هو من أتي بالحاكم و أن التمرد علي هذا الحاكم قد يكون بمثابة تمرد علي (صليب) إختبار الله لنا (ويقوم هذا الفريق بتطعيم أرائهم بكل الأيات الممكنة والغير ممكنة-سنتعرض لهذه النقطة في الأجزاء القادمة)
-الكنيسة قد تحارب الفقر مثلا عن طريق توزيع العشور (المصطلح المسيحي للصدقة) -وهذهكلها مسكنات- ولكنها لن تتبني مطالب تنادي بالعدالة الإجتماعية أو بحقوق العمال أو الطبقات المطحونة
الكنيسة قد تُسَخِر العشور التي يدفعها المصريون المسيحيون لعمل مستشفيات ،لكنها لن تناضل من أجل زيادة حصة الصحة من الموازنة العامة أو زيادة رواتب الأطباء (مما ينعكس بالإيجاب علي مستوي الخدمة التي تقدمها المستشفيات الحكومية)
الكنيسة لن تنادي بالضرائب التصاعدية أو بمحاربة إستغلال الدولة للمواطنين و سعي الدولة الدائم لإفقار المواطنين وخلق أزمات البنزين والغاز (مما يرفع الأسعار بالتبعية) لأنها تقول دائماً :"طوبي للفقراء" في خلط واضح بين ما قيل في الموعظة علي الجبل وتغاضي قيم العدالة والمساواة،،بل وغض البصر عن مثل الغني الغبي مثلاً.
وعلي هذا يمكننا أن نستنتج أن الدولة ذاتها تستغل الكنيسة ومكانتها لدي شعبها بهدف:
-السكوت علي الظلم الإجتماعي،فالفقراء يدخلون الملكوت
-السكوت علي التمييز يعني الصبر علي الإضطهاد لأجل المسيح-ودا برضوا يدخل الملكوت
-تجاهل ما يحدث من إنتهاكات لحقوق الإنسان أو جرائم تمييز، فإذا كان الضحية مسيحي فيكون هذا إضطهاد ويجب قبوله،وإذا كان غير مسيحي: مملكتي ليست من هذا العالم،وهذا العالم قد أُخضع للشرير
ومن هنا يمكننا أن نفهم أن أي خطوة للتمرد علي ظلم أو أوضاع خاطئة يجب قبلها أن يتم تحطيم مثلث "الدولة،الكنيسة،الشعب"،،
بمكننا أيضاً أن نفهم أن ضلع "الدولة -الكنيسة" لن يتحطم (أو لا تأثير لنا عليه)
وأي محاولة لتحطبم ضلع "الدولة-الشعب" لن تتحطم بسهولة،بل ستواجه مقاومة من قبل الضلع الثالث "الكنيسة-الشعب"
لذا فلا مفر من البدء من الضلع الثالث عن طريق فطم المصريين المسيحيين (سياسياً) عن كنيستهم ،،وأن يتحولوا إلي مواطنين مسيحيين بدلاً من أن يظلوا كالجالية الأجنبية تختزلهم الدولة في ممثلهم الرسمي.
إذا حدث فعلا وتم تحطيم هذا الضلع،سينطلق المصريون المسيحيون في الجماعة الوطنية بشكل فعال وسيكونوا أكثر قدرة علي التعبيرعن هموم مجتمعهم ،وسيشعر عموم المصريون المسلمون بمشاركتهم في همهم ونضالهم السياسي والإقتصادي ،وبالتالي سيكون حل المشكلات الطائفية بشكل جذري أقرب ،والنضال ضد التمييز له قواعد وأسس أكثر ثباتاً ووضوحاً مما يجري الأن.
مينا ضياء
28/1/2012
2:18 pm
إقرأ الأجزاء التالية:
معضلة المصريين المسيحيين جـ1 - مفاهيم سياسية خاطئة
معضلة المصريين المسيحيين جـ2-مابيحسوش بمشاكلنا-الحل فتش عن يسوع
معضلة المصريين المسيحيين جـ3 -بيت صلاة أم أداة تجميل للطغاة