تأثير الفراشة Butterfly Effect

وهى تعنى حدوث شىء صغير جدا يؤدى لحدوث سلسلة من الأحداث المترتبة على هذا الشىء الصغير ..
ما أومن به هو أن كل شىء فى هذا الكون يتم بحسابات دقيقة بارعة لا قبل لنا بها ، كل شىء محسوب ومقدر بدقة بالغة وتدخلنا فى مثل هذه الأمور إنما يفسدها ولا يمكن أن يقومها بطريقة أو بأخرى .. حتى لو كان تدخلنا بسيطا تافها ...الصورة من أعمال مينا هاني

Thursday 16 February 2012

معضلة المصريين المسيحيين جـ7 –نضال متخبط

يعاني المصريين المسيحيين من حالة تخبط شديدة من حيث أبجديات نضالهم وقيادته وتوجهه.

وبسبب هذا التخبط فإنك من الممكن أن تجد لدي أي منهم عدة أراء مختلفة متضادة متعاقبة –بشكل متكرر- بعد كل أزمة طائفية (أو غير طائفية) تمر بها البلاد تبعا لرد فعل القيادات الكنسية (التي تنسق مع الدولة من منطلق قبلي طائفي) وتبعا لحجم الأزمة ونطاق تأثيرها. وعلي هذا,إذا تخلي المصري المسيحي عن صمته ورضاءه (المدعم بالأيات المختارة التي تحث علي الخنوع,متجاهلا الأيات الأخري التي تجعل الخضوع مشروطا أو تحث علي البحث عن العدل) وقرر أن يناضل,ستكتشف أنه في الحقيقة لا يدري ضد من هو يناضل أو لأجل ماذا.

فلنبدأ من النقطة الأخيرة,

توجه النضال:

لا يدري المصري المسيحي هل هو يناضل ضد حكومة ظالمة ,أم ضد مجتمع يقدس التميز (الطبقي والديني والنوعي,,,إلخ) أم ضد ماذا!!

فإذا قرر فجأة المصريين المسيحيين أن يعلنوا عدائهم للدولة أو للحكومة التي ظلمتهم ونكلت بهم أو فجرتهم أو دهستهم,,,تركهم القادة الدينيين يوم أو يومان لينفسوا عن غضبهم,ثم يعاجلونهم بعدها بكلام عن "الغفران,والإضطهاد لأجل المسيح,الخضوع للسلطة" وقد يلجأوا إلي إعلان صيام طارئ لمدة ثلاثة أيام (فيظن المصريون المسيحيون أنهم يصوموا لكي ينتقم الرب من الظلمة-هذا تفكير غير صحيح بالمناسبة) وبعدها يجدوا قادتهم يجلسون مع الظلمة والقتلة والمحرضين!!

الجدير بالذكر أن تكرار هذه المواقف (بأحجام مختلفة) أصاب البعض منهم بإنفصال في الشخصية,,فاصبحوا لديهم القدرة علي تبني الموقف وعكسه في فترة قصيرة!!

وإذا قرروا أن يناضلوا ضد التمييز وقرروا أن يدفعوا دفعا (ولو كان بإسلوب خاطئ) لحماية مدنية الدولة وحقوق المواطنة الكاملة وقوانين تطبق علي كل المصريين بغض النظر عن عقيدتهم, وجدوا قادتهم يتحفونهم بتصريحات علي شاكلة :"المسيحيين لا يعارضون تطبيق الشريعة" أو وجدوا كهنة يحضروا مؤتمرا إنتخابي لحازم صلاح أبو إسماعيل لمبايعته !!

في الحقيقة أن تملق القيادات الدينية مربك جدا للمصريين المسيحيين(سواء في النضال ضد السلطة,أو النضال المجتمعي) . وأول التوصيات هي أن شئ من إثنان. إما أن يفرضوا علي قادتهم الدينيين الصمت التام والتوقف عن تملق السلطات والسلطات المحتملة, أو ينفضوا من حولهم (سياسيا علي الأقل) فلا تجد القيادات الدينية صدي أونتيجة للتوجيه الذي يقوموا به,فتفقد السلطة أو السلطة المحتملة الإهتمام بهذه القيادات وتدرك بأن كتلة المصريين المسيحيين لم تعد في جيب أي من هذه القيادات,وينخرطوا في الجماعة الوطنية. فتضطر السلطة إلي إحترام رغباتهم السياسية تبعا لحجمهم ووزنهم في المشهد السياسي والحقوقي وقتها بإعتبارهم جزء من الجماعة الوطنية بشكل عام,والتيار المدني تحديداً.

قيادات النضال:

لا يجد المصري المسيحي حتي هذه اللحظة قيادة تلهمه لأجل النضال بشكل مفيد. فالقادة دائما كهنة,بسبب هذا يتواجد المصري المسيحي أمام معضلة كبيرة.ألا وهي عدم إتساقه مع ذاته. لأنه في الوقت الذي ينادي به بفصل الدين عن السياسة,وينتقد التيارات الدينية الإسلامية لا يجد قيادة نضالية يلتف حولها سوي بعض الكهنة (أو البابا في حالات أخري).

علينا أن نعي جيدا,أن نموذج مارتن لوثر كينج صعب الحدوث في بلد مثل مصر.لأنه علي الرغم من أن مارتن لوثر كينج كان قسا بروتوستانتي.إلا أن المجتمع الأمريكي,ومن تبنوا نضال السود في الولايات المتحدة لم ينظروا له بإعتباره رجل دين! وهذه هي المعضلة.

في مجتمعنا الأبوي القبلي,ينظر كل طيف من أطيافه إلي بقية الأطياف مختزلة في قيادتها الدينية,,,وهذا عبث.

شخصيا,أجد الكثيرين ممن يتعاملون معي لأول مرة يعاملونني علي أنني من مريدي البابا وأتباع الكنيسة سياسيا,وهم لم يسمعوا ما أقوله,,لا لشئ سوي لمعرفتهم بإسمي!

يتسبب خوض رجال الإكليروس في السياسة في مصر إلي إهمال كتلة تعدادها ملايين المصريين. إهمال أرائهم,وأحلامهم,وطموحاتهم المشروعة. بالإضافة لهذا ,يصعب علي رجال الإكليروس تبني مبادئ –قد يجدونها غير مقبولة بصفتهم رجال دين- وهذا ما سنتعرض له في النقطة التالية.

أبجديات النضال : (هذه النقطة قد تكون ثقيلة علي القارئ المسلم. عذرا)

لا يدري المصري المسيحي حجم تخبطه مادام لا يري سوي مشاكله. وهذه كارثة كبيرة,,

لا أقصد هنا مثل :"إللي يشوف بلوة غيره تهون عليه بلوته" هذا ليس قصدي, ولكني أقصد بالتحديد عدم نضج المصري المسيحي فكريا.

علينا أن نعترف أن التمييز مرض متفشي في مجتمعنا المصري. وأن من صور هذا التمييز هي التمييز المبني علي الهوية الدينية أو علي العرق وعلي النوع أيضا. ولكن هل فعلا يري المصري المسيحي هذا ويصدقه؟

· لنكن أكثر تحديدا,,هل ينادي المصريين المسيحيين بـ"حرية العقيدة" أم بـ"حرية العقيدة للمسيحيين فقط" ؟ هل يري المصري المسيحي أنه يعاني من التمييز في بعض الأحيان بسبب أنه مسيحي ويتألم لهذا,لكنه لا يشعر بشئ تجاه ما يحدث للشيعة والبهائيين مثلا؟

· فالبهائيين مثلا تحرق بيوتهم* في بعض الأحيان,أو قد يحرموا من مناصب معينة بسبب دينهم**.



بعض المصريين المسيحيين يردوا علي الأسئلة السابقة فيقولوا : مافيش حاجة إسمها بهائية أصلا (يعني بأنه لا يعترف بالبهائية) إزاي الدولة تعترف بيهم!!!

أنت لا تعترف بالإسلام,,فهل تريد أن أقتنع برفضك لوجود البهائيين لأنك :"لا تعترف بالبهائية"!!

· هل تقبل وجود جارك المسلم لمجرد أن المسلمين يشكلون أكثرية عددية أم لأنك مؤمن بالتنوع وبقبول الأخر وعدم الحكم علي الأخر بحسب هويته؟

هل تناضل نضال "فئوي" أم تناضل لأجل "مبدأ" ؟

النضال لا يكون نضالا ناضجا إذا كان لأجل مصلحة فئة بعينها,النضال الناضج يكون نضال مبادئ وليس نضال أهواء.

(قد يقبل بسهولة بعض المصريين المسيحيين فكرة قبول البهائيين –بإعتبارهم منشقين من الإسلام بشكل أو بأخر لهذا فالحساسية معهم تكون في أقل صورها,مجرد فكرة قبول المختلف- ولكن علي المصري المسيحي أن يسأل نفسه السؤال الأصعب :

· "هل تقبل شهود يهوة أو الأدفنتست؟" (طوائف تنسب نفسها إلي المسيحية وترفض الطوائف الثلاث الكبري الإعتراف بها)

هل تساند حرية العقيدة للمنشقين عن ديانتك الأم؟ أم أنك تطالب بحرية العقيدة لأتباع ملتك,,والمنشقين من الملل الأخري؟

· وأخيرا,علي المصري المسيحي أن يمر علي المرحلة الأصعب والأخيرة,,,إذا كنت تطالب بحرية العقيدة (للمسيحيين والمسلمين الشيعة والبهائيين وشهود يهوة والأدفنتست,,إلخ) هل تقبل الملحدين؟

إذا كانت إجابتك بـ"لا",,,إذا فكيف تدعي بأنك تدعوا لأجل "حرية-لامؤخذا- العقيدة؟

كل ما سبق في هذه النقطة يدعم فكرة عدم ملائمة القيادات الكنسية لقيادة النضال المجتمعي لأجل فكرة مثل "حرية العقيدة" علي سبيل المثال!!

· وليس التمييز الديني فقط هو ما يحدث في مصر. هل يعلم المصريون المسيحيون عن القضية النوبية مثلا؟ أو مشاكل بدو سيناء؟

توجد فئات عديدة تعاني من التمييز في مصر. يجب علي المصريين المسيحيين أن ينضجوا,ويناصروا مبادئ المواطنة والمساواة لأجل جميع المصريين وليس المصريين المسيحيين فقط!!

· علي صعيد أخر. يؤدي تخبط الرؤية إلي إنفصال قطاعات من المصريين المسيحيين عن معاناة عموم الشعب المصري ككل.

فلن يكون من النضج أن يجد المصريون المسلمون المصريون المسيحيون سوي في التظاهرات الموسمية التي تعقب هدم الكنائس!!

يجب أن يجدونهم في المظاهرات العمالية,والمظاهرات ضد الغلاء وأي تظاهرات وطنية أخري,,فإذا أرادوا من الأخر أن يعاملهم كمصريين لهم مواطنة كاملة,عليهم أن يبدأوا بحمل مسؤلية هذه المواطنة الكاملة ويتألموا لكل ما يؤلم أبناء هذه البلد

نقطة أخيرة تصلح كنكتة

· يثور بعض المصريين المسيحيين وينظموا تظاهرات لأجل هدم كنيسة,, لكنهم قد لا يثوروا بنفس المقدار إذا ما تم تهجير أسر مصريين مسيحيين من موطنهم وبيع مملتلكاتهم ,,وإذا ثاروا بمقدار أقل,,قد تخمد ثورتهم إذا علموا أن أحد أطراف إتفاق التهجير أطراف كنسية!!

هذا هو التخبط بعينه,,,وهذه هي القيادات الرسمية التي تقود المصريين المسيحيين.

مينا ضياء

16/2/2012

12:02 PM

* حرق منازل البهائين

قصة دكتورة حرمت من مناصب بسبب تمييز ديني **

جريمة الدكتورة بسمة-علاء الأسواني. جريدة الشروق 28\4\2009


البهائية

البهائية (مصدر أخر)

تابع المدونة علي فيسبوك

إقرأ أيضا:

معضلة المصريين المسيحيين جـ0 -جذور المعضلة

معضلة المصريين المسيحيين جـ1 -مفاهيم سياسية خاطئة

معضلة المصريين المسيحيين جـ2 -مابيحسوش بمشاكلنا؟ الحل فتش عن يسوع

معضلة المصريين المسيحيين جـ3 -بيت صلاة أم أداة تجميل للطغاة؟

معضلة المصريين المسيحيين جـ4 -مفترق الطرق

معضلة المصريين المسيحيين جـ5 -وظيفة البابا

معضلة المصريين المسيحيين جـ6 -بين الخضوع للحاكم والخروج عليه وتسييس الإنجيل

Wednesday 8 February 2012

نهاية الصراع

لا يجوز أن ندعي بأن الصراع الدائر حالياً هو فقط "صراع علي السلطة",,بل هو "صراع مع السلطة" أيضاً لأنها كما يبدو للجميع طرف فيه.

تسألون عن نهاية للصراع؟
دعوني أجيبكم،لا نهاية لهذا الصراع،صراع السلطة والأفراد
لا يحق لنا أن نسطح الصراع فنقول بأنه صراع بين الخير والشر!
الصراع أعمق من هذا بكثير
الصراع الذي لا نهاية له هذا يجب أن نكون لنا هدف واحد ونحن نخوضه في هذه المرحلة.
هذا الهدف هو أن نضع قواعد صارمة للعبة بحيث تكون دائماً في صالح الأفراد الضعفاء تجاه السلطة الجائرة،،،هذه القواعد هي الضمانة الوحيدة لصراع أفضل للأجيال القادمة حتي يأخذوا حقوقهم أو علي الأقل يجدوا صراع متكافئ يخوضونه -عكس ما نخوضه نحن- فيذكروننا بالخير،،
كما ذكرت منذ قليل،هذا ليس صراع سطحي بين الخير والشر،،ولكنه صراع إرادات.صراع من أجل البقاء.

إقرأ أيضا:

قواعد السلطة (القواعد الخمسة للسلطة)

تابع المدونة علي فيسبوك

Thursday 2 February 2012

معضلة المصريين المسيحيين جـ6-بين الخضوع للحاكم والخروج عليه-وتسييس الإنجيل

وقع تحت يدي ملف Pdf عنوانه "المظاهرات-قراءة في ضوء الأسفار المقدسة" لنيافة الأسقف الأنبا مكاريوس

والحق يقال عندما رأيت هذا العنوان في أول مرة تذكرت عدة نكات كانت تتناول تيارات الإسلام السياسي التي رفضت الخروج علي الحاكم (حسني مبارك) لتجنب الفتن و,,,إلخ وكانت ملخصها أن الثورة بدأت وإستمرت لمدة 18 يوما إلي أن ألقي عمر سليمان بيان التنحي ولكن بعض السلفيين مازالوا حتي ذلك الوقت يبحثون في الكتب عن :"باب الخروج علي الحاكم,باب الخروج علي الحاكم"

ولكنني عندما فتحت الرابط وبدأت في القراءة وجدت موضوع جدير بالإحترام نظرا للشرح المبسط والشمول والعموم وكثرة الأمثلة, ولكن عندما وصلت للنهاية وجدت ما دفعني للشعور الذي شعرت به عندما قرأت العنوان في بادئ الأمر. وهنا لنا عدة ملاحظات.

للإطلاع علي المقالة أنقر هنا (Right click +Open in New Tab)

ولنا هنا عدة ملاحظات

الملاحظة الأولي :هل يجب أن يكون في الكتاب المقدس أو عصور بداية المسيحية تظاهرات أو ثورات حتي أشارك في ثورة أو مظاهرة؟ هل من المفترض أن يتبع الشخص أفكار ومبادئ أم يتبع إستنباط معطاة؟ هل سيحاسب الفرد علي أفكاره ومبادئه وأفعاله أم علي الإستباط التي إتبعها؟ أو مدي طاعته لفلان أم لعلان؟

الملاحظة الثانية:قال الكاتب

:"يلجأ الإنسان عادة إلي (أولي الأمر) للتعبير عن حاجته ,فإذا لم يستجيب له تحول إلي من هو في منصب أعلي ليبث شكواه من الظلم,فإذا إستمر الصمت عن تلبية حاجته إضطر إلي عندئذ إلي لفت الإنتباه إلي مطالبه ,وذلك بالتظاهر وهي كلمة تعني أن يُظهر للناس أن له إحتياجات لم تلب,ويعلمنا الكتاب المقدس التفاوض وعرض قضايانا ,فتكلم السيد المسيح عن الطرق الدبلوماسية :"وإلا فما دام ذلك بعيدا,برسل سفارة ويسأل ما هو للصلح" (لوقا14 :32)-لنا هنا وقفة- ,كما نصح "إسكندر" حشود الثائرين في أفسس برفع قضايا والترافع في المحاكم" (أعمال 19 :38)

يهمنا أن نرسخ فكرة أن المتظاهر ليس بطل يطلب حاجته من (ولي أمره)! بل المتظاهر هو مواطن له حقوق وواجبات كاملة ومنها حق التظاهر. و (ولي الأمر) الذي يتحدث عنه نيافة الأسقف ما هو إلا موظف عال الرتبة في الدولة.هذا مبدأياً.

وعلي هذا فعندما يقوم المتظاهر بالتظاهر ,هو لا يعرض مطالبه فقط لأنه متمرد!,ولكن في أحيان كثيرة يكون هذا بسبب تقصير الموظف عال الرتبة هذا.

يكمل نيافة الأسقف ويقول :

"علي أن التظاهر يجب أم يكون مشروكاً بأربعة شروط:

أولها: البعد عن إراقة الدماء.

وثانيها:عدم الإعتداء علي الممتلكات.

وثالثها:عدم إستخدام العبارات المسيئة.

ورابعها:عدم الإنزلاق في قضايا فرعية بعيدا عن الهدف الأساسي.

فقد أوصانا الكتاب المقدس :"رئيس شعبك لا تقل فيه سوءاً" (خروج 22 :28 وأعمال 23 :5),كما منع السيد المسيح نفسه القديس بطرس من أستخدام السيف في الدفاع عنه:"رد سيفك إلي مكانه.لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون" (متي 26 :52)

المثير في هذا الجزء أن نيافة الأسقف يروج لأجل الكفاح "المؤدب" ,لكن ليست المشكلة في أنه يتكلم في وجوب الكفاح المؤدب الدبلوماسي فحسب.ولكن المشكلة أنه وضعه كقاعدة مطلقة, مما يرجعنا ثانيا إلي نكتة (باب الخروج علي الحاكم) و الفتاوي الكنسية في السياسة وهو أمر غير مقبول لعدة أسباب (قبل أن أكمل يهمني أن أنوه أنني مؤمن بالنضال السلمي واللا عنف إلي حد بعيد,ولكن مادام نيافة الأسقف تكلم في المطلق فلا مفر من أن أتكلم أنا أيضا في المطلق)! :

1-إذا كنت بصدد البناء علي تربة صخرية ستقوم بعمل أساسات لها مواصفات,وإذا كانت الأرض رملية أو طينية فإن مواصفات الأساسات ستختلف تماما في كل حالة !

إذا إستثنينا فكرة أن المظاهرات يجب أن تكون سلمية,وتكلمنا عن الثورات التي تقوم ضد الأنظمة القمعية,,أليس من حق الفرد الدفاع عن نفسه وعمن حوله؟!

إذا كنا نتكلم عن بلد مثل ليبيا مثلا,هل من المنطقي أن تذهب لتقول للثوار هناك "يجب أن تكون ثورتكم بلا دماء"؟ !! أي عبث هذا

هل كان يجب أن تحرر مصر سيناء بحرب لا تراق بها الدماء!

ما الفارق بين ثورة علي نظام قمعي وبين ثورة علي محتل خارجي؟ كل من النظام القمعي والمحتل الخارجي يقوموا بنهب ثروات الوطن والتنكيل بأبنائه,,,الفارق الوحيد هو "جنسية-وليس ولاء" من هو في السلطة,,هل كون ذلك السارق أو الطاغية من نفس جنسيتي يعطيه هذا أفضلية عن المحتل الخارجي بأن يواجه ثورة ترمي رجاله بأوراق الكلينيكس!! أي عبث هذا.

ذكر نيافة الأسقف قصة خراب أورشليم سنة 70م.وحكي مقدمات هذا السقوط وكيف أن من أسبابه أن قادة ميليشيات الغيوريين (حزب ديني سياسي له جناح عسكري-إمتداد للمكابين) الثلاث كانوا منقسمين علي ذاتهم في بعض الأحيان,,وحكي أيضا عن المكابين وثورتهم ضد الصلوقيين (من حكموا تلك المنطقة بعد الإسكندر الأكبر-مثل البطالمة في مصر) ولم يدن إستخدامهم للعنف!!

المفارقة أن نيافة الأسقف في التلت الأخير من الدراسة (الذي يضع فيه شروط النضال) يبدأه بجملة "حقنا في التظاهر",,لكنه نسي علي ما يبدو أن حقنا في التظاهر ليس حقنا الوحيد,,ولكن من حقنا أيضا أن نتظاهر ونرجع سالمين,,ولهذا نسي أيضا أن من حق المتظاهر أن يدافع عن نفسه تجاه بطش السلطة وقمعها!! لا أدري!!

لا أظن أن من حق أحد أن يفرض النضال السلمي سوي قائد ميداني (مثل غاندي أو مارتن لوثر كينج) وليس كل شخص يجلس أمام مكتب وفوقه تكييف!! من حقك أن تنًظر وتذكر مزايا النضال السلمي كما شئت,,ولكن ليس من حقك أن تقول (يجب أن يكون التظاهر مشروط :بالسلمية )..إذا كنت تري هذا فعلا فلتنزل بنفسك وتتبني هذا المنهج وتدفع ثمنه يا نيافة الأسقف.

ذكرت مسبقا في حوارات مع أصدقاء بأنني مؤمن بالنضال السلمي, ولا أعرف كيف أضرب أو أصيب,ولكنني مدين لكل من رفع حجر ورماه في وجه أي من كلاب السلطة لانني لولاهم لتمت أذيتي (والعديد ممن هم مثلي) في مواقف عدة,,صحيح أنني غير متفق مع منهجهم وإسلوبهم,ولكنني مدين لهم,,

سؤال أخير.مادام لجناب الأسقف أراء بخصوص التظاهرات والثورات و"ضوابطها وشروطها",,لماذا لا نري أرائه بخصوص السلطة عنفها ونهمها الدائم لدماء الأفراد الضعفاء؟ اليس الأقوي هو من يتحمل المسؤلية؟ أليس الأقوي هو الكيان النظامي المدرب والمسلح؟ لماذا يكتفي نيافة الأسقف بتوجيه كلامه للأفراد الذين قد يرتكبوا العنف فعلا دفاعا عن أنفسهم؟

(ملحوظة :أنا غير مؤمن بالعنف كوسيلة مطلقة للتغير,وأراه شئ مقزز. ولكن شئ مقزز أيضا أن نزايد علي من يخاطرون بأنفسهم علي مبدأ "السلمية" !!)

2- يطرح نيافة الأسقف أيضا شرط:عدم إستخدام عبارات مسيئة,هذا وإن كنا لا نختلف علي وجوب إستخدام الألفاظ اللائقة,إلا أن هذا الشرط شرط مطاط وهلامي.

ما المقصود بالإسائة؟,,أن أقول علي فلان بأنه "حرامي" هذه إسائة, ولكن إذا كان فلان هذا حرامي فعلاً فأين تكون الإسائة؟ أيضا من الغير منطقي أن أطلب من شخص يضرب ويسحل ويقتل بأن ينعت القتلة والسفاحين والمجرمين بأنهم ملائكة رحمة!!

المشكلة أن العبارات المسيئة في هذه المواقف تكون أغلبها وصف للفعل السئ الذي قام به من في السلطة!

(ملحوظة:هذه النقطة ليست رخصة للشتيمة,ولكنها للمنع من المزايدة علي الأخلاق !!)

3-يستشهد نيافة الأسقف بمثل حساب النفقة الذي ورد في (لوقا 14 :28-33) ويستقطع الأية التي تتحدث عن "الدبلوماسية",,ولكنك إذا قرأت المثل كاملا, ستجد بأن المثل كان يتحدث عن أن من الطبيعي علي البشر قبل أن يشرعوا في مشروع أن "يحسبوا نفقة هذا المشروع" ويسألوا أنفسهم هل سيقدروا عليه أم لا (وكان يقصد علي من يريد أن يتبعه أن يسأل نفسه هل سيقدر أن يضحي بأشياء في حياته,أم أنه سيتبعه لفترة ثم يعود لما إفتقده في حياته) وعلي هذا السياق,قال السيد المسيح في المثل :"31 وأي ملك إن ذهب لملاقاتلة ملك أخر في حرب,لا يجلس أولا يتشاور: هل يستطيع أن يلاقي بعشرة ألاف الذي يأتي عليه بعشرين ألفاً؟32 وإلا فما دام ذلك بعيدا يرسل سفارة ويسأل ما هو للصلح." وعلي هذا نقدر أن نقول بأن هذا القياس (قياس فاسد) أو في غير محله.

فالمسيح لم يعطينا طرق أو إسطنبات لحل المشكلات أو النزاعات!! المثل لم يكن غرضه تعليم سياسة!! والكتاب المقدس ليس كتاب "فن الحرب-سون تزو"!!

في هذا المثل ببساطة عندما وجد الملك انه لن يستطيع أن يواجه جيش يفوق جيشه,فإنه سيلجأ للطرق الديبلوماسية في فض النزاعات!! وهذا شئ منطقي! ولكنه علي نفس الغرار إذا وجد أن جيشه سيقدر علي إلحاق الهزيمة بأعدائه فلن يكون من المنطق أن يلجأ للتفاوض! أين المعضلة؟!

يكمل نيافة الأسقف:

" وما بين الحديث عن السلبية والإيجابية فإنه يجب الجمع بين الإيجابية والخضوع.حيث نجعل الله بيننا وبين السلطة,فالملك مرتب من الله,وأما التمرد فهو السلوك البشري بعيدا عن الإيمان بأن الله هو ضابط الكل ومدبر المسكونة.وهكذا يكون الإشتراك –في التظاهر- مقبولا متي كان بوعي روحي"

وهنا يخلط الكاتب بين شيئين ,الأول: هو أن الله ضابط الكل,والملك (السلطة) مرتبة من الله وبين ما تفعله هذه السلطة. شاول الملك أتي بترتيب من الله-هذ هذا معناه أنه لم يخطئ؟

هذ عندما أخطأ شاول سانده الله؟؟

هناك فارق كبير بين أن كل ما يجري في هذا الكون –بما فيه مجئ السلطات- تحت سيطرة الله,وبين أنه يساندهم ,إذا قامت السلطة بالظلم هل من المنطقي أن يساند الله الظالم؟!! هل يتحدثون هم عن الله أم علي البيت الأبيض الذي قد يساند أنظمة قمعية لمصلحته !!

إذا ساند الله الظالم يكون هو نفسه ظالم,,,هل الله الذي تتبعونه وتدعونه "بأبانا الذي في السموات" ظالم؟

إن التمرد علي السلطة الظالمة أو الناهبة أو القمعية مثله مثل مقاومة حرامي أتي إلي بيتك أو قاطع طريق ظهر ليسرقك أومحتل أجنبي هبط لينهب ثروات وطنك ويستعبدك!! أم تري "الله" لن يساند الحرامي أو قاطع الطريق أو المحتل,ولكنه سيساند السلطة المستبدة؟ هل يحتاج لخصم ضرائب أم ليجدد رخصة قيادة؟!! هذا عبث.

وتحت عنوان "موقف الكتاب المقدس من السلطات" يقول:

"دعانا الكتاب المقدس إلي الصلاة لأجل الرؤساء والخضوع لهم- تذكر هذه الجملة جيدا- وهي الطلبات التي صاغتها الكنيسة في جميع ليتورجياتها ,وقد أشار القديس بولس إلي أن السلاطين مرتبة من الله,وأن الذي يقاوم السلطان يقاوم الله –تذكر هذه الجملة أيضا- "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة ,لأنه ليس سلطان إلا من الله,والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله,حتي إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله,والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة.فإن الحكام ليسوا خوفا للأعمال الصالحة بل الشريرة.أفتريد أن لا تخاف السلطان؟ إفعل الصلاح فيكون لك مدح منه,لأنه خادم الله للصلاح! ولكن إن فعلت الشر فخف لأنه لا يحمل السيف عبثاً,إذ هو خادم الله المنتقم للغضب من الذي يفعل الشر.لذلك يلزم أن يخضع له,ليس بسبب غضب فقط,بل أيضا بسبب الضمير.فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضا,إذ هم خدام الله مواظبون علي ذلك بعينه, فأعطوا الجميع حقوقهم:الجزية لمن له الجزية,الجباية لمن له الجباية,الخوف لمن له الخوف,والإكرام لمن له الإكرام" (رومية 13 :1-7)

ويستشهد أيضا برسالة بولس إلي تلميذه تيطس

"ذكرهم أن يخضعوا للرياسات والسلاطين,ويطيعوا ويكونوا مستعدين لكل عمل صالح" (تيطس 3 :1)

يركز نيافة الأسقف في هذا الجزء علي شئ واحد فقط,,وهو "الخضوع للسلطات" وأن من يقاوم السلطة يقاوم الله,وإستشهد بما قاله بولس الرسول في غير سياقه!!

إذا قرأت ما قاله الرسول بولس في الإستشهاد المأخوذ من رومية 13 ستكتشف بأنه لا يتحدث عن خضوع مطلق للسلطة! فهو قد تكلم فعلا عن خضوع للسلطة,ولكنه خضوع مشروط بأن يكون الحاكم "خادم الله للصلاح" لأنك إن خضعت إلي سلطة فاسدة أو قمعية,تكون قد ساهمت في ظلم نفسك ومن حولك,وتكون أحد دعائم السلطة التي لا تفعل الصلاح (أي الشريرة) !

الجدير بالذكر أن الحكام الذين دعا الرسول بولس إلي الخضوع لهم لم يكونوا كلهم (أو بعضهم) مسيحيين,بالتأكيد كان بعضهم وثنيين! وعلي هذا الأساس فإن بولس لا يتحدث عن خدام لله (مسيحيين) ,,,الشئ البديهي من هذه الجملة أنه قصد "خادم الله للصلاح=حاكم صالح أو حاكم رشيد*"

وإذا حاولت أن تفهم هذه الففرة (رومية 13) بشكل معاصر,فإنك ستفهم الأتي:

"الله ضابط الكل يدير الكون ويأتي بالسلطات (لكنه لا يتدخل في قراراتها أو فسادها). وعلي هذا ,إخضعوا للحكام الصالحين (العادلين) ,ومن يقاوم منكم الحكام العادلين يصبح مقاوم لإرادة الله-ومن يقاوم الحكام الظالمين لن يصبح مقاوما لإرادة الله (لأن من الغير منطقي أن تكون إرادة الله حاكم ظالم أو شرير,لأن الله ليس بظالم أو شرير!) وعلي هذا,فإن من سيرتكب الجرائم (كالسرقة أو القتل) أو سيخرج عن النظام العام (لا يقف مثلا عندما تكون إشارة المرور حمراء,أو لا يسير عكس الإتجاه) سيأخذ دينونة وغضب من الله,لأن من الغير مفترض أن تخيف السلطة (الدولة) من يفعلون الأفعال الصالحة,ولكنها (السلطة) وجدت لتردع من يخرجون علي القانون والنظام العام. أتريد ألا تقع تحت طائلة القانون وتعاقبك السلطة؟ إذا إفعل الصلاح ولا تخطئ وقتها ستتفادي العقاب وقد تنال مكافأت (بالبلدي:إمشي عدل يحتار عدوك فيك),ولكن إذا إرتكبت الشر,يكون من المنطقي أن تخاف من السلطة لأنك ستقع تحت طائل القانون (أو ستقع تحت عقاب السلطة),لأن الحاكم (السلطة) من المفترض أن يحكم بالعدل وبالصلاح. ويجب ألا تلتزم بالقوانين فقط لأنك تخاف! ولكن لابد أن يكون الدافع صادر من داخلك (ضميرك) فتلتزم بالقوانين العادلة للدولة"

هذا هو الفهم البسيط للنص,,إذا كان هناك فهم أخر ملخصه أن الله يدعم الحاكم الفاسد,كما سبق وأشرت,من المنطقي أن يكون الله -الذي تتحدثون عنه- هو شخص فاسد,وعلي هذا فإن إتباعه أو عبادته يصبح من الفساد أيضا!

نقطة إضافية. ماذا يكون العمل إذا فسد الحاكم (عمل الشر)؟

",لأنه(الحاكم) خادم الله للصلاح! ولكن إن فعلت الشر فخف لأنه لا يحمل السيف عبثاً,إذ هو خادم الله المنتقم للغضب من الذي يفعل الشر"

الشعب هو مصدر السلطات.وسلطة الشعب فوق سلطة الحاكمة,ومن هذا المنطلق يصبح علي الحاكم أن يخاف من الشعب (تذكر قول في فور فنديتا :علي الحكومات أن تخاف من شعوبها وليس العكس) لأن الشعب هو من يقف في جانب الحق وعليه أن يقيم العدل علي الحاكم.

(أشعر أننا نتكلم في مبادئ إنسانية! لا تحتاج لأيات!!)

بعد ذلك يتحدث نيافة الأسقف عن أن الكنيسة تصلي لأجل الحكام,أن هذه الصلوات مأخوذة مما قاله بولس "فأطلب أول كل شئ أن تقام طلبات وصلوات وإبتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس,لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لقي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوي ووقار,لأن عذا حسن ومقبول لدي مخلصنا الله"(تيموثاوس الأولي 2 :1-4)

الملاحظة الثالثة:

علينا أن نفرق بين الصلاة لأجل الملوك والسلطات وبين دعمهم دعم مطلق بغض النظر عن فسادهم وشرهم!.

نقطة أخيرة.هل تعلم أنك إذا خضعت للحاكم الفاسد أو الشرير ستصبح أحد أدواته التي يعذب بها إخوتك أو يقهرهم أو يقمعهم؟ هل تظن أن هذا يسعد الله؟

مينا ضياء

1/2/2012

*الحكم الرشيد


**Home Work : ) :إبحث عن الأتي:

· بولس ومطالبته بحقوقه كمواطن روماني.

· القديس يوحنا ذهبي الفم وتعنيفه للإمبراطورة الظالمة.

· يوحنا المعمدان وهيرودس.

تابع المدونة علي فيسبوك

إقرأ أيضا:

معضلة المصريين المسيحيين جـ0 –جذور المعضلة

معضلة المصريين المسيحيين جـ1 –مفاهيم سياسية خاطئة,

معضلة المصريين المسيحيين جـ2 –مابيحسوش بمشاكلنا-الحل فتش عن يسوع

معضلة المصريين المسيحيين جـ3 –بيت صلاة أم أداة تجميل للطغاة

معضلة المصريين المسيحيين جـ4 – مفترق الطرق

معضلة المصريين المسيحيين جـ5 – وظيفة البابا