يعاني المصريين المسيحيين من حالة تخبط شديدة من حيث أبجديات نضالهم وقيادته وتوجهه.
وبسبب هذا التخبط فإنك من الممكن أن تجد لدي أي منهم عدة أراء مختلفة متضادة متعاقبة –بشكل متكرر- بعد كل أزمة طائفية (أو غير طائفية) تمر بها البلاد تبعا لرد فعل القيادات الكنسية (التي تنسق مع الدولة من منطلق قبلي طائفي) وتبعا لحجم الأزمة ونطاق تأثيرها. وعلي هذا,إذا تخلي المصري المسيحي عن صمته ورضاءه (المدعم بالأيات المختارة التي تحث علي الخنوع,متجاهلا الأيات الأخري التي تجعل الخضوع مشروطا أو تحث علي البحث عن العدل) وقرر أن يناضل,ستكتشف أنه في الحقيقة لا يدري ضد من هو يناضل أو لأجل ماذا.
فلنبدأ من النقطة الأخيرة,
توجه النضال:
لا يدري المصري المسيحي هل هو يناضل ضد حكومة ظالمة ,أم ضد مجتمع يقدس التميز (الطبقي والديني والنوعي,,,إلخ) أم ضد ماذا!!
فإذا قرر فجأة المصريين المسيحيين أن يعلنوا عدائهم للدولة أو للحكومة التي ظلمتهم ونكلت بهم أو فجرتهم أو دهستهم,,,تركهم القادة الدينيين يوم أو يومان لينفسوا عن غضبهم,ثم يعاجلونهم بعدها بكلام عن "الغفران,والإضطهاد لأجل المسيح,الخضوع للسلطة" وقد يلجأوا إلي إعلان صيام طارئ لمدة ثلاثة أيام (فيظن المصريون المسيحيون أنهم يصوموا لكي ينتقم الرب من الظلمة-هذا تفكير غير صحيح بالمناسبة) وبعدها يجدوا قادتهم يجلسون مع الظلمة والقتلة والمحرضين!!
الجدير بالذكر أن تكرار هذه المواقف (بأحجام مختلفة) أصاب البعض منهم بإنفصال في الشخصية,,فاصبحوا لديهم القدرة علي تبني الموقف وعكسه في فترة قصيرة!!
وإذا قرروا أن يناضلوا ضد التمييز وقرروا أن يدفعوا دفعا (ولو كان بإسلوب خاطئ) لحماية مدنية الدولة وحقوق المواطنة الكاملة وقوانين تطبق علي كل المصريين بغض النظر عن عقيدتهم, وجدوا قادتهم يتحفونهم بتصريحات علي شاكلة :"المسيحيين لا يعارضون تطبيق الشريعة" أو وجدوا كهنة يحضروا مؤتمرا إنتخابي لحازم صلاح أبو إسماعيل لمبايعته !!
في الحقيقة أن تملق القيادات الدينية مربك جدا للمصريين المسيحيين(سواء في النضال ضد السلطة,أو النضال المجتمعي) . وأول التوصيات هي أن شئ من إثنان. إما أن يفرضوا علي قادتهم الدينيين الصمت التام والتوقف عن تملق السلطات والسلطات المحتملة, أو ينفضوا من حولهم (سياسيا علي الأقل) فلا تجد القيادات الدينية صدي أونتيجة للتوجيه الذي يقوموا به,فتفقد السلطة أو السلطة المحتملة الإهتمام بهذه القيادات وتدرك بأن كتلة المصريين المسيحيين لم تعد في جيب أي من هذه القيادات,وينخرطوا في الجماعة الوطنية. فتضطر السلطة إلي إحترام رغباتهم السياسية تبعا لحجمهم ووزنهم في المشهد السياسي والحقوقي وقتها بإعتبارهم جزء من الجماعة الوطنية بشكل عام,والتيار المدني تحديداً.
قيادات النضال:
لا يجد المصري المسيحي حتي هذه اللحظة قيادة تلهمه لأجل النضال بشكل مفيد. فالقادة دائما كهنة,بسبب هذا يتواجد المصري المسيحي أمام معضلة كبيرة.ألا وهي عدم إتساقه مع ذاته. لأنه في الوقت الذي ينادي به بفصل الدين عن السياسة,وينتقد التيارات الدينية الإسلامية لا يجد قيادة نضالية يلتف حولها سوي بعض الكهنة (أو البابا في حالات أخري).
علينا أن نعي جيدا,أن نموذج مارتن لوثر كينج صعب الحدوث في بلد مثل مصر.لأنه علي الرغم من أن مارتن لوثر كينج كان قسا بروتوستانتي.إلا أن المجتمع الأمريكي,ومن تبنوا نضال السود في الولايات المتحدة لم ينظروا له بإعتباره رجل دين! وهذه هي المعضلة.
في مجتمعنا الأبوي القبلي,ينظر كل طيف من أطيافه إلي بقية الأطياف مختزلة في قيادتها الدينية,,,وهذا عبث.
شخصيا,أجد الكثيرين ممن يتعاملون معي لأول مرة يعاملونني علي أنني من مريدي البابا وأتباع الكنيسة سياسيا,وهم لم يسمعوا ما أقوله,,لا لشئ سوي لمعرفتهم بإسمي!
يتسبب خوض رجال الإكليروس في السياسة في مصر إلي إهمال كتلة تعدادها ملايين المصريين. إهمال أرائهم,وأحلامهم,وطموحاتهم المشروعة. بالإضافة لهذا ,يصعب علي رجال الإكليروس تبني مبادئ –قد يجدونها غير مقبولة بصفتهم رجال دين- وهذا ما سنتعرض له في النقطة التالية.
أبجديات النضال : (هذه النقطة قد تكون ثقيلة علي القارئ المسلم. عذرا)
لا يدري المصري المسيحي حجم تخبطه مادام لا يري سوي مشاكله. وهذه كارثة كبيرة,,
لا أقصد هنا مثل :"إللي يشوف بلوة غيره تهون عليه بلوته" هذا ليس قصدي, ولكني أقصد بالتحديد عدم نضج المصري المسيحي فكريا.
علينا أن نعترف أن التمييز مرض متفشي في مجتمعنا المصري. وأن من صور هذا التمييز هي التمييز المبني علي الهوية الدينية أو علي العرق وعلي النوع أيضا. ولكن هل فعلا يري المصري المسيحي هذا ويصدقه؟
· لنكن أكثر تحديدا,,هل ينادي المصريين المسيحيين بـ"حرية العقيدة" أم بـ"حرية العقيدة للمسيحيين فقط" ؟ هل يري المصري المسيحي أنه يعاني من التمييز في بعض الأحيان بسبب أنه مسيحي ويتألم لهذا,لكنه لا يشعر بشئ تجاه ما يحدث للشيعة والبهائيين مثلا؟
· فالبهائيين مثلا تحرق بيوتهم* في بعض الأحيان,أو قد يحرموا من مناصب معينة بسبب دينهم**.
بعض المصريين المسيحيين يردوا علي الأسئلة السابقة فيقولوا : مافيش حاجة إسمها بهائية أصلا (يعني بأنه لا يعترف بالبهائية) إزاي الدولة تعترف بيهم!!!
أنت لا تعترف بالإسلام,,فهل تريد أن أقتنع برفضك لوجود البهائيين لأنك :"لا تعترف بالبهائية"!!
· هل تقبل وجود جارك المسلم لمجرد أن المسلمين يشكلون أكثرية عددية أم لأنك مؤمن بالتنوع وبقبول الأخر وعدم الحكم علي الأخر بحسب هويته؟
هل تناضل نضال "فئوي" أم تناضل لأجل "مبدأ" ؟
النضال لا يكون نضالا ناضجا إذا كان لأجل مصلحة فئة بعينها,النضال الناضج يكون نضال مبادئ وليس نضال أهواء.
(قد يقبل بسهولة بعض المصريين المسيحيين فكرة قبول البهائيين –بإعتبارهم منشقين من الإسلام بشكل أو بأخر لهذا فالحساسية معهم تكون في أقل صورها,مجرد فكرة قبول المختلف- ولكن علي المصري المسيحي أن يسأل نفسه السؤال الأصعب :
· "هل تقبل شهود يهوة أو الأدفنتست؟" (طوائف تنسب نفسها إلي المسيحية وترفض الطوائف الثلاث الكبري الإعتراف بها)
هل تساند حرية العقيدة للمنشقين عن ديانتك الأم؟ أم أنك تطالب بحرية العقيدة لأتباع ملتك,,والمنشقين من الملل الأخري؟
· وأخيرا,علي المصري المسيحي أن يمر علي المرحلة الأصعب والأخيرة,,,إذا كنت تطالب بحرية العقيدة (للمسيحيين والمسلمين الشيعة والبهائيين وشهود يهوة والأدفنتست,,إلخ) هل تقبل الملحدين؟
إذا كانت إجابتك بـ"لا",,,إذا فكيف تدعي بأنك تدعوا لأجل "حرية-لامؤخذا- العقيدة؟
كل ما سبق في هذه النقطة يدعم فكرة عدم ملائمة القيادات الكنسية لقيادة النضال المجتمعي لأجل فكرة مثل "حرية العقيدة" علي سبيل المثال!!
· وليس التمييز الديني فقط هو ما يحدث في مصر. هل يعلم المصريون المسيحيون عن القضية النوبية مثلا؟ أو مشاكل بدو سيناء؟
توجد فئات عديدة تعاني من التمييز في مصر. يجب علي المصريين المسيحيين أن ينضجوا,ويناصروا مبادئ المواطنة والمساواة لأجل جميع المصريين وليس المصريين المسيحيين فقط!!
· علي صعيد أخر. يؤدي تخبط الرؤية إلي إنفصال قطاعات من المصريين المسيحيين عن معاناة عموم الشعب المصري ككل.
فلن يكون من النضج أن يجد المصريون المسلمون المصريون المسيحيون سوي في التظاهرات الموسمية التي تعقب هدم الكنائس!!
يجب أن يجدونهم في المظاهرات العمالية,والمظاهرات ضد الغلاء وأي تظاهرات وطنية أخري,,فإذا أرادوا من الأخر أن يعاملهم كمصريين لهم مواطنة كاملة,عليهم أن يبدأوا بحمل مسؤلية هذه المواطنة الكاملة ويتألموا لكل ما يؤلم أبناء هذه البلد
نقطة أخيرة تصلح كنكتة
· يثور بعض المصريين المسيحيين وينظموا تظاهرات لأجل هدم كنيسة,, لكنهم قد لا يثوروا بنفس المقدار إذا ما تم تهجير أسر مصريين مسيحيين من موطنهم وبيع مملتلكاتهم ,,وإذا ثاروا بمقدار أقل,,قد تخمد ثورتهم إذا علموا أن أحد أطراف إتفاق التهجير أطراف كنسية!!
هذا هو التخبط بعينه,,,وهذه هي القيادات الرسمية التي تقود المصريين المسيحيين.
مينا ضياء
16/2/2012
12:02 PM
قصة دكتورة حرمت من مناصب بسبب تمييز ديني **
جريمة الدكتورة بسمة-علاء الأسواني. جريدة الشروق 28\4\2009
إقرأ أيضا:
معضلة المصريين المسيحيين جـ0 -جذور المعضلة
معضلة المصريين المسيحيين جـ1 -مفاهيم سياسية خاطئة
معضلة المصريين المسيحيين جـ2 -مابيحسوش بمشاكلنا؟ الحل فتش عن يسوع
معضلة المصريين المسيحيين جـ3 -بيت صلاة أم أداة تجميل للطغاة؟
معضلة المصريين المسيحيين جـ4 -مفترق الطرق
معضلة المصريين المسيحيين جـ5 -وظيفة البابا
معضلة المصريين المسيحيين جـ6 -بين الخضوع للحاكم والخروج عليه وتسييس الإنجيل