تذكرون الفيلم العربي القديم عندما ابتكر عبد الحليم حافظ ، الموظف البسيط في المصنع الذي يمتلكه سراج منير ، قماشاً غير قابل للاحتراق . كان لسراج منير مقولة شهيرة في نهاية الفيلم " هاتولي الدماغ .. انا عايز الدماغ !! " يقصد الصاحب الحقيقي للابتكار.
تذكرت هذا المشهد عندما عدت للوراء استرجع قرارات وتصريحات وتصرفات غبية قامت بها حكومتنا الجليلة على مدى أعوام كثيرة مضت. فمنذ تفتحت عيناي على هذه الدنيا وجميع تصرفات الحكومة المصرية دائما ما تتسم بقدر لا بأس به من الغباء !
وعلى سبيل المثال لا الحصر ، التصريح بأن نظيف هو رئيس الوزراء الجديد ثم التراجع ثم العودة لاختياره. القرارات الغبية التي تمت بإنجاح بعض المرشحين بعينهم في الانتخابات الأخيرة بغض النظر عن النتائج الحقيقية. التصريحات الغبية الدائمة للسيد احمد أبو الغيط مثل " محاولة اقتحام اليهود المتشددين للحرم القدسي هي بلطجة !! " أو " الرحمة ببلدنا ودبلوماسيتنا فنحن نعمل .. ولكن أطبخي يا جارية يا سيدي كلف !!! "
و" نطلب من إسرائيل ان تكف عن اجراءات العنف غير المتوازن التي من شأنها أن تعمق الهوة بين الجانبين ! " (حد فهم حاجة !) . وتصريح أخر لأحد نواب وزير الخارجية بعد اختطاف السفير المصري في بغداد بيومين يقول " السفير مختفي وليس مختطف !! ".
طبعاً هذه أمثلة بسيطة حيث أن البحث عن وحصر كل هذه التصريحات يحتاج لمجهود كبير وجهد عظيم نظراً لكثرتها والحمد لله .
ولكن يأتي السؤال .. لماذا باختلاف الأشخاص ومرور السنين .. والغباء كما هو لا يختلف ولا يختفي ؟!!
لكي نصل لسر هذه المسألة، يجب أن نسأل : من هو المحرك الحقيقي وراء كل ما يحدث في مصر من قرارات وسياسات وتعيينات في المناصب الهامة وكل شئ في كل شئ ؟ من هو " الدماغ " ؟!
طبعاً الدماغ معروف ! ولأن الدماغ كما هو لم يتغير من سنين طوييييلة ، لذلك فالغباء كما هو. بل حتى في عهد "الأدمغة " السابقة كان موجوداً بدرجة أو بأخرى !
السؤال الأهم هو هل المشكلة في هذا الدماغ بالذات ؟ وإذا كان ذلك لماذا لا يتغير الغباء مع تغير الأدمغة ؟ هل مكتوب على مصر أن يكون دماغها دائماً غبياً ؟!!
في اعتقادي ان المشكلة ليست في الدماغ في حد ذاته. بالقطع غباء الدماغ ذاته يساهم بشكل ما! ولكن عموماً الغباء وثيق الصلة بالديكتاتورية ، فالديكتاتورية تعمي الحاكم عن رؤية الحقيقة. تعميه عن طريق جيوش المداحين التي تنعته بالحكمة والبصيرة ونفاذ الرأي. تعميه بسبب تضخم الذات الذي يصيب من تحت أيديهم كل وسائل القوة والسلطة. تعميه لأنه يفكر بمصلحته فقط لا في مصلحة وطنه.
هناك وجه آخر للديكتاتورية غير الغباء وهو الكذب !
فالنظم الديكتاتورية لا تستطيع ان تقول الحقيقة لأن الحقيقة ما هي إلا مجموعة من الكوارث. لذلك فهي تعشق أن "تستغبى" شعوبها ، فالكذب هو الأساس والصدق هو الاستثناء. وللأسف فإن الكذب يغلفه أيضاً الغباء فيصبح الكذب استهبالاً !
لا يضيع من ذاكرتي سيل من التصريحات لأحد وزراء النقل السابقين عن نية الوزارة استيراد عربات مترو أنفاق ذات دورين لتقليل التزاحم والتيسير على المش عارف أيه والكلام ده . طبعاً أي مصري يركب مترو الأنفاق يدرك تماماً أنه من المستحيل تنفيذ ذلك ، فكيف بالله عليكم ستسير العربات ذات الدورين والنفق يتسع بالكاد للعربات ذات الدور الواحد !!!
ومن أقوى الاستهبالات الأخيرة، كانت من الدماغ ذاته. عندما قال أن أعداد قانون للإرهاب يحل محل قانون الطوارئ قد يستغرق من عام إلى عامين ! ( بأمارة قوانين اليوم الواحد والليلة الواحدة !)
وبالقطع حصر التصريحات الاستهبالية يعجز عنه بشر أو حيوان لكثرتها غير العادية بطريقة تفوق أختها الغبية!
الأنكى من ذلك أن ينبرى المستهبلون باسم النظام في تبرير التصريحات الغبية والاستهبالية على شاشات التلفزيون الاستهبالي والجرائد الغبية.
فالتجديد لقانون الطوارئ ، هو للحماية من الإرهاب وصون لأمن الوطن.
وتصريحات الدماغ الغبية ، هي حكمة قائد المسيرة وربان السفينة.
وتنديد القضاة بالتزوير الذي حدث في الانتخابات ومطالبهم باستقلال القضاء ، هي مطالب فئوية واستغلال للموقف من بعض القوى السياسية.
وآلالاف الجنود الذي يسدون الشوارع وقت التظاهرات، هم حماية من الفوضى وحماية للوطن وصوناً لهيبة الدولة.
والمتظاهرين الذين يطالبون بالحرية والعدالة ، هم قلة مارقة مدعومة من الخارج.
اللطيف في هذا كله انهم يعتقدون أن الناس تصدق الهراء الذي يلقونه على مسامعهم كل يوم وكل ساعة. وربما يعلمون أن لا أحد يصدقهم.
ولكن يجئ السؤال التالي الأهم .. هل ينطلي كل هذا الغباء والاستهبال على الشعب ؟
في رأيي ان شعبنا عنده من الوعى ما لا يدركه هؤلاء الاغبياء المستهبلين. والدليل هو انصرافهم عن قراءة جرائدهم ومشاهدة تليفزيونهم. الدليل هو أن الناس لم يعودوا يصدقوا. حتى الكلام الصحيح لا يصدقوه ، لم يعودوا يصدقوا حرفاً مما يقوله النظام وأزلامه.
وبعد .. هل سنستمر في تحمل هذا الغباء ؟ .. وإذا كنا وصلنا أن المشكلة ليست في الدماغ الحالي بحد ذاته .. فحتى إذا رحل هذا سيجئ نظير له .. طب وبعديييين ! نعمل أيه طب .. نموت !
No comments:
Post a Comment