بإفتراض أن الأرض تعرضت للتخريب ففنيت جميع
المدن عدا واحدة, نظرا لزيادة تعداد هذه المدينة (أو بالأحري المستعمرة التي
يسكنها الناجون من كل بقاع الأرض) ومع محدودية مساحة المدينة لأن باقي الأرض قد
تلوثت بالإشعاع النووي..(عو!!) .. سيتوجب علي سكانها إستغلال كل سنتي متر مربع.
مع إستقرار حال سكان هذه المستعمرة بالتدريج
تنشأ لديهم حاجة لبناء منشأت غير أماكن النوم والعلاج والتعليم...يظهر لديهم مساحة
أرض وحيدة أخيرة تصلح لبناء مبني واحد فقط..
يظهر فريقان يريدان في نفس اللحظة بناء دار
عبادة وملهي ليلي..
ولإختصار السرد يمكننا بسهولة تصور الصدام
المتوقع حدوثه بين كل من الفريقين,,,
كأي نزاع في الدنيا يمكن الوصول لحل\نهاية له
عبر طريق من إثنين لا ثالث لهما...
الأول وهو القتال\فرض واقع بالإجبار مستند
علي ميزة مادية أو دعم كتل مجتمعية تمثل أغلبية.
الثاني وهو التفاوض للوصول لحل يحقق لكل من
الأطراف النزاع الحد الأدني أو أكثر قليلا من الإشباع بدون قهر الفريق الأخر...
في فن التفاوض يعتبر الحل الأول Win/Lose Situation .. أكثر الحلول عنفا
وأنانية, وعادة ما يدفع الطرف المعرض للهزيمة إلي التخلي عن أي رغبة بخصوص الوصول
لحل فينتهي إلي السعي بكل ما يملك من قوة لإفشال اللعبة علي كل اللاعبين والوصول
إلي حالة Lose/Lose - -أي أن يهد المعبد علي الجميع أو
أن يسعي للنجاة بهدف الإنتقام ممن قهره في المستقبل ويبدأ فعليا التحضير لحالة Win/Lose Situation جديدة يكون هو المنتصر
فيها...(مثال: ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولي.. هزيمة مذلة أعقبها تحضير دؤب
لخوض حرب جديدة لرد الإعتبار. نتج هذه الهزيمة أطلال دولة مهدت لصعود النازي
مستغلا ضعف الدولة و رغبة الإنتقام لدي العوام :1919-1939 في عشرين سنة فقط)
أما الحل الثاني فهو أن يدرك كل طرف ماذا
يريد وما هي التنازلات التي يمكن أن يقدمها, كثمن مناسب للتنازلات المتوقع تقديمها
من الطرف الأخر.. (مثال: تنازع كعبول ومخمير علي أخر بطيخة موجودة في السوق.. كاد
كل منهم أن يقتل الأخر لولا تدخل بهلول الحكيم فسألهم وكل منهم يضع سكينته علي
رقبة الأخر: "عايزين إيه من البطيخة ياولاد الشقة؟" ... فرد كعبول: "عاوز
أكلها" فيما رد مخيمر في نفس النفس وقال:"عاوز اللب بتاعها عشان أحمصه
لفيلم السهرة"
وهنا أدرك كل من كعبول ومخيمر أن عداوتهم لا
سبب حقيقي لها, وأن سكاكينهم الموضوعة علي رقابهم أولي بها أن يقطعوا بها
البطيخة... بل وأن من مصلحة مخيمر أن يأكلها كعبول سريعا حتي يتسني لمخيمر تحميص
اللب في أسرع وقت ممكن.)
يطلق علي الحل الثاني Win/Win Situation , وهو الحل الأمثل المفترض من كل
الأطراق (إن) أرادوا الوصول لحل (إن) كانت
لديهم رغبة حقيقية للوصول لحل وسط\مشترك\مرضي لكل الأطراف...
لنعود مجددا لمستعمرتنا القائمة مؤقتا-إن لم
يقرر سكانها القضاء عليها وعلي أنفسهم,,- هل من الممكن أن يصل طرفي النزاع (دار
العبادة\الملهي الليلي) لما وصل له مخيمر وكعبول؟ هيا يا صديقي القارئ فلتتقمص
شخصية بهلول وتسألهم عن سبب تمسكهم بهدفهم, أو بالأحري عن إحتياجهم الحقيقي,,,
هل من الممكن أن يصل الطرفان لحل علي غرار أن
يقسموا ايام الإسبوع فتعمل البناية كدر عبادة أيام ال(جمعة – سبت – أحد) وكملهي
ليلي أيام (إثنين-ثلاثاء-أربعاء) ويكون يوم (الخميس) لصيانة وتنظيف المبني؟ أو
ربما يقسموا إستخدام المبني فيخصص للصلوات في الفترة من 5 صباحا ل 4 مساءً وكملهي
ليلي من 5 مساءً ل 4 صباحاً؟ أو ربما يصل أحدهم لفكرة عبقرية كأن يتكون المبني من
طابقين بحيث يكون طابق ملهي ليلي والأخر دار عبادة؟
ما المانع الحقيقي أمام كل من الطرفين من
إجراء تفاوض حقيقي وفعال؟
فريق الملهي اليلي: لا شئ – علي الأقل لا
يوجد منظومة فكرية أو نصوص تمنعهم عن قبول أي من الحلول الموجودة أعلاه أو أخري
يتم ذكرها.
فريق دار العبادة: عدد لا نهائي من الأفكار
والنصوص الخاصة بتقديس الأرض وما عليها وما تحتها وما جنبها,,, منظومات فكرية تدعي
إمتلاك الحقيقة وفي بعض النسخ وجوب فرضها –بالقوة علي الأخرين.
نفس مضمون السطور السابقة يمكن الإستعانة به
كمدخل للحديث عن : قبول الأخر\السلم المجتمعي\ أو حتي الصراع
العربي-الإسلامي\الإسلائيلي-اليهودي... التبرع بالدم\الكلية لشخص من دين أخر... وقفة
إحتجاجية لسكان قرية مصرية رفضا لبناء دار عبادة لأحد الأقليات...إلخ
في النهاية, إذا كان أحد أطراف النزاع لا
يرغب ولا ينتوي بأي صورة من الصور إجراء تفاوض فعال,,, ما قيمة الحديث معه أو سماعه
وما جدوي أي نقاش يمكن أن يدور... أي وقت ضائع هذا؟!
لحسن الحظ أن كعبول ومخيمر لا يؤمن أي منهم
بأيديولوجية تحرم إعطاء بذر البطيخ للأخر أو تلقيها منه, وإلا كانت البطيخة وبذرها
من نصيب بهلول الحكيم.
مينا ضياء
26\7\2014
2:00
am
إقرأ أيضا: