قاعة مظلمة ممتلئة عن أخرها بوجوه عابسة أتت
في مظاهرة حب وتقدير. كانت الحرارة المنبعثة من الأجساد الملتصقة ببعضها البعض
بسبب ضيق حجم القاعة بالمقارنة بالحضور قد تفاعلت مع عرق الحضور وإفرازاتهم
البدنية فمالت رائحة القاعة إلي العفونة التامة.
كان المذنب قد وقف في منتصف المنطقة المخصصه
له وهي قفص فوق المنصة التي تحتوي علي القضاة والمحلفين تلك المنصة المرتفعة عن
الأرض بأربعة أمتار... كانت نظراته خليط بين الإنزعاج والرغبة في النوم.
كانت نظرات القضاة غاية في الغضب وقد ختم
مسؤل الإدعاء مرافعته قائلا: "يا حضرات المؤمنون,, لقد وضعنا جميعنا في خطر بوجوده في وسطنا, سواء بأفكاره هذه أو بإحتمالية تعرضنا جميعا للعقاب الجماعي بسبب
إحتضاننا لمثل هذا في وسطنا."
إرتفعت أصوات الحضور بالتأييد فأشار لهم
القاضي ليصمتوا. نظر إلي المذنب وقال له: "هل هذا صحيح يا فتي؟"
لم يرد ساكن القفص إلا أنه إبتسم ,فيما قاطعت
الجلسة عدة سيدات يلبسن جلاليب سوداء وغطوا رؤسهم بأغطية رأس سوداء بدا عليهم
المجئ من أحد القري القريبة وقد بدأن توزيع حزم البصل الأخضر وسط الحضور بدون
مقدمات أو كلام من جهتهم فيما زادت همهمات الحضور وتعالت أصواتهم وهم يتدافعوا
بإتجاه حاملات البصل ليحصلوا علي حزم بصل خضراء.
صعدت إحدي هؤلاء السيدات إلي المنصة وأعطت
حزمة بصل إلي كل من القاضي وباقي مساعديه والمحلفين ومسؤل الإدعاء.
لم يشعر مسؤلي المحاكمة بالإنزعاج من الهرج
والمرج بل ظهر جليا ترحيبهم به وسط إستغراب المذنب ساكن القفص.
تقدم القاضي بإتجاه واحدة من هؤلاء النسوة –كانت
لا تحمل البصل لكنها تجر شوال كبير حجمه يقترب من حجمه ... هامسها ببعض الكلمات –
فتبعته وعاد ليتقدم بإتجاه القفص في خطوات ثابتة حتي وقف أمام
المذنب تماما ونظر له في عينيه وواجهه قائلا: "أنت متهم بعدم الإيمان بالله.
عقوبتك تبدأ من الحبس والتنكيل وقد تصل للوفاه قدر الله"
رد ساكن القفص: "إذا لقد أصبحت
مؤمنا." إنبهر الحضور وصعد إستطاع الصعود بدافع الفضول والترقب ليحيطوا
بالقفص والقاضي والسيدة التي تبعته –حاملة الشوال فكونوا قوسين بحيث لا يغطوا علي
رؤية مساعدي القاضي ومسؤل الإدعاء والمحلفين وإخوتهم من الحضور أسفل المسرح.
تفاجأ القاضي للحظة لكنه إبتسم جراء رد الفعل
الغير المتوقع من ساكن القفص وقال: "جميل جدا. فلتصلي إلي الله الذي أمنت به
لكي يحول..." مد يده إلي السيدة حاملة الشوال التي وقفت وراءه علي بعد متر أو
متر ونصف,, قدمت له الشوال فجذبه بإتجاه القفص وقال: "هذا الفسيخ إلي
شربات."
نظر له ساكن القفص بتوجس... فسأله القاضي:
"هل هناك مشاكل؟"
"لا.." قال ساكن القفص وهو يركع
علي ركبتيه . اغمض عيناه وظل يتمتم كثيرا.. لمدة قاربت من النصف ساعة أغمض خلالها
كل الحضور وتمتموا معه ماعدا القضاة الذين إكتفوا بالفرجة في صمت.
وبعدها فتح ساكن القفص عيناه ونظر إلي اللي القاضي
الذي فتح بدوره الشوال وإنسحب لخطوات حتي يتسني لساكن القفص ومن حولهم رؤية ما بداخل
الشوال...وقال:" لم يحدث شئ. ربما لم تؤمن بما يكفي." وجه نظره للحضور
وقال:"حكمت المحكمة حضوريا علي المتهم بالإعدام... شم نسيم سعيد يا إخوتي.
هلم نأكل."
مينا ضياء.
2/11/2013
12:52
am
No comments:
Post a Comment