دخل إلى حبسه الإنفرادى لقضاء الليلة الأخيرة من مدة عقابه ,, غداً سيرى
النور و يمشى طليقاً من دون أغلال ,, كان
قد اعتاد السجن و ألف جدران هذه الغرفة التى قضى فيها محبسه لأكثر من عشرين عاماً
,, كانت الغرفة صغيرة المساحة لا يتجاوز أكبر ضلع فيها المترين و النصف ,, جدرانها
من الحجر القديم الذى التهمته الأملاح و غيرت ملامحه ,, بها مرتبة بالية موضوعة
على الأرض إلى جوارها صفيحة صغيرة يقضى فيها حاجته .
جلس على المرتبة و
استند بظهره إلى الحائط و ضم رجليه إلى صدره و احاطهما بيديه ,, لم يدرى وقتها هل
كان مستيقظاً أم غلبه النعاس ,, و لكنه يذكر كل ما دار فى مخيلته فى تلك الليلة
تذكر أول ليلة قضاها فى الحبس الإنفرادى ,, كانت الثوانى بطيئة المرور ، و كأنها
جمال عطشى تائهة فى الصحراء ,, سالت دموعه من جفنيه كطفل فقد أمه ، و ملأت صرخاته
جدران السجن ولا مجيب ,, أيقن يومها إنها حتماً نهايته ,, فقد سُلبت حريته إلى غير
رجعة .
ضاق نفسه و شعر
بإختناق شديد و كأن روحه تفارق جسده ,, فشرع يطرق الباب الحديدى بيديه ,, إلى أن
أتى حراس السجن و فتحوا الباب ثم دخلوا الغرفة و طفقوا يضربونه بعصيهم إلى أن سقط
على الأرض جثة هامدة و ظل هكذا حتى الصباح .
تذكر اليوم الذى
تلى تلك الليلة العصيبة ,, كانت عظامه تئن فى داخله ,, لم يكن قادراً على الحراك ،
و لكن نفسه بدت هادئة
و يبدوا أنه استسلم للواقع ، و ادرك أنه لا محالة من المقاومة ,, ففى كل مرة من المقاومة سيقابله الحراس بوجبة غنية من العنف المفرط .
و يبدوا أنه استسلم للواقع ، و ادرك أنه لا محالة من المقاومة ,, ففى كل مرة من المقاومة سيقابله الحراس بوجبة غنية من العنف المفرط .
مرت الأيام
متشابهة ,, نهار يعقبه ليل ,, و ليل يعقبه نهار ,, لم يكن يميز الليل من النهار
إلا من فتحة صغيرة نشأت عن تهشم جزء من الحجر فى جدار الغرفة ، و بقدر ما كانت
الفتحة صغيرة و ضيقة ,, ضاقت روحه ,, و تمنى أن يموت بل و فكر مراراً فى الإنتحار
,, و لكنه كان أكثر جبناً من مواجهة مصيره المجهول .
و فكر فى نفسه ,,
لماذا ظل هذه السنوات يميز الليل و النهار من هذه الفتحة الضيقة دون محاولة النظر
من خلالها للخارج ؟
إنه الخوف من الأمل ,, خاف أن يدب الأمل فى روحه من جديد ,, و لكنها الليلة الأخيرة فلماذا لا يجرب النظر من هذه الفتحة ,, لن يضيره الأمل فى هذه المرة .
إنه الخوف من الأمل ,, خاف أن يدب الأمل فى روحه من جديد ,, و لكنها الليلة الأخيرة فلماذا لا يجرب النظر من هذه الفتحة ,, لن يضيره الأمل فى هذه المرة .
مال برأسه ناحية
الحائط و وجه نظره للفتحة ,, و إذا به يغمض عينيه و يفتحها مرة أخرى لينظر فلا يجد
جدار الغرفة و لا بوابات السجن ,, لا أثر للحراس ,, و هذه الفتحة أيضاً لا وجود
لها ,, أصابته الحيرة ,, و ظل ينظر لكل ما حوله ,, أغمض عينيه و فتحهما مرة أخرى
ظناً منه أن يكون نظره قد خدعه ,, و لكنه لم يجد أثر لأى شئ ,, فقط وجد نفسه فى
مواجهة ذاته سجيناً لها .
مينا هانى
23-10-2013
11:00 AM
مينا هانى
23-10-2013
11:00 AM
No comments:
Post a Comment