تأثير الفراشة Butterfly Effect

وهى تعنى حدوث شىء صغير جدا يؤدى لحدوث سلسلة من الأحداث المترتبة على هذا الشىء الصغير ..
ما أومن به هو أن كل شىء فى هذا الكون يتم بحسابات دقيقة بارعة لا قبل لنا بها ، كل شىء محسوب ومقدر بدقة بالغة وتدخلنا فى مثل هذه الأمور إنما يفسدها ولا يمكن أن يقومها بطريقة أو بأخرى .. حتى لو كان تدخلنا بسيطا تافها ...الصورة من أعمال مينا هاني

Friday, 5 April 2013

فاضية كراسي


توقف الميني باص علي جانب الطريق في الحارة اليمني من المنعطف الذي يربط أحد الشوارع الجانبية بالشارع الهام ذو الأربع أو الخمس حارات... نزل منه التباع وهو يحزق ليهتف بأعلي صوته بوجهتهم القادمة فيما تكالب عليه ثلاثة من ضخام الجثث تبين فيما بعد من خلال محادثتهم العالية الصوت والمليئة بالرذاذ وبالصور البلاغية التي تفيد بركوب أحدهم علي الأخر أنهم ثلاثتهم سائقين وتباع, كانوا قد ركنوا حافلاتيهم الميني باص قبله في هذا الموقف وعليه فمن حقهم التحميل والإنطلاق قبله بموجب العدل والعرف المنتشر بين ممارسي هذه المهنة الرقيقة.. في هذا الوقت كان السائق قد إنزلق بين الجموع إلي جزء من الرصيف أقيمت عليه فرشة لصنع الشاي بأنواعه فطلب من الفتاة صاحبة الأعوام العشرة كوب سكر زيادة..

لم تمر دقيقتان حتي لحق التباع بالسائق وجلس بجانبه وهو يخرج من جيبه علبة السجائر الكيلوباترا وهو يضحك ويسب ويلعن علي الثلاثة اللذين منعوه من التحميل فإضطر أن يجلس لإنتظار دوره. أخرج سيجارة ووضعها في فمه ومد يده للسائق وهو يقول له:"هات الولاعة.."

أعطاه السائق الولاعة وهو يسحب علبة السجائر من يده وقد نظر إليه في عينيه في ثقة وكأنه يقول له:"ألم اقل لك؟!"..
خطف التباع –بدون مقاومة من السائق وكأنه كان علي علم بأنه سيفعل ذلك أو توقعه فترك له رشفة أو رشفتين - الكوب من الساق ورشف منه بعطش وكأنه أتي من جهنم والحقيقة أنه لا يزال فيها,,أو بالأحري لم يدخل إلي عمقها بعد.. ما علينا.

بعد فترة تقترب من الربع ساعة تباحث خلالها السائق والتباع في الأزمة التي إشتعلت في رحلة وصولهم لنهاية الخط قبل قليل,,وعما إذا كان من الممكن للزبون الأخير الواقف في طرقة الميني باص أن ينزاح قليلا بإتجاه الكنبة الأخيرة ولا مشكلة إذا ما جلس علي حجر الزبون أو الزبونة الجالس\ة علي الكرسي الأوسط فالكنبة الأخيرة عشان (الناس لبعضيها ولازم نشيل بعض وقت الزنقة), لكن تم ما تم ورفض الزبون الأخير أن يركع لطلبات التباع وإكتفي بأن وافق عن طيب خاطر بأن يفعص الزبون الواقف بجانبه بعض دهونه فيه.
وأخيرا عندما أتي الدور عليهم قاما ليدفعا عجلة الإنتاج وقفز السائق بخفة وسط الزحام حتي وصل إلي كرسيه –كرسي القيادة- وأخرج رأسه من الشباك وقد عوج سيجارته حتي أصبحت تشغل الركن الأيمن من فمه فيما رفع خده الأيمن مثل رعاة البقر في أفلام الغرب الأمركي وأخذ يهتف في الجهة اليسري من العربة فيما تكفل التباع بالجهة اليمني وأمام العربة وخلفها..
لم يبذلوا من الجهد الكثير حتي إمتلأت الكراسي وبدأت العربة فالتحرك علي الرغم من تدافع بعض الشباب للتشعبط بها ليقفوا في طرقة العربة..

إنطلقت العربة كالبرق المتقطع فقد كانت تنطلق وتقف فجأة نظرا لعدم إنتظام السيولة المرورية فالطريق. بالطبع كان الركاب وكل من جعله نصيبه في زمرة الواقفين يتأرجحون كالبندول يمينا ويسارا للأمام وللخلف وكان الكل في حالة مفرطة من السعادة الغير مكتملة النمو, ربما بسبب العرق الذي لولاه لما إستطاع الركاب الواقفين الإنزلاق بين بينهم البعض لتمتلئ الطرقة بهم فالوقت الذي كان التباع يهتف خلاله:" فاضية كراسي..."

بعد قليل أدرك أحد الركاب إقتراب محطته, وكان لسوء الحظ جالسا في وسط الميني باص, فإضطر أن يهب واقفا قبل محطته بقليل وكان – لسوء الحظ أيضا – ثقيل الوزن إلي حد ما, فما أن مد جسده إلي فوق ليمسك الماسورة المثبتة فالسقف بطول الميني باص (ليثبت فيها – من إستطاع – من الركاب أنفسهم حتي لا يقعوا كقطع الدومينو خلال الفرملات المفاجئة للسائق) ما أن مد جسده وأمسك بالماسورة حتي وجدها تأخذه وتسقط من فرط تأكل المسامير فوقع الراكب فوق كرسيه كالدبدوب فيما فقد عدد من الركاب توازنهم ووقعوا فيق بعضهم البعض كقطع الدومينو..

ثارت بعض النقاشات الخلافية بين الركاب من جهة والتباع والسائق من الجهة الأخري حول المسؤلية الفعلية للراكب عن سقوط الماسورة فيما واجههم أشجع الركاب -ناظر المدرسة الإبتدائية الموجودة فالناصية القادمة – بمسؤليتهم السياسية عن صيانة العربة ونظافتها,,وإنتهي الموقف إلي لا شئ سوي نزول الناظر وفي حمايته الراكب الثقيل وبعض السباب المتبادل بين التباع والسائق بسبب لوم كل منهم للأخر.

بعد فترة من السيولة المرورية الرديئة أراد السائق أن يصالح التباع –خوفا من أن تأثر حالته النفسية علي أدائه فالصياح وجمع الزبائن من هنا ومن هناك- فأعطاه كوب الشاي الخاص به الذي كان قد إشتراه قبل أن تبدأ رحلتهم هذه,, فأرسل له الكوب مع ذراعه الأيمن –الراكب الجالس بجواره ومساعده الأول,,فيما أشار إلي مساعده الثاني (الراكب الجالس بجوار مساعده الأول علي الكنبة الأولي -بجانب السائق) الجالس بجوار الشباك الأمامي الأيمن ,,اشار له إلي أن يعيد ضبط المرايا فقام المساعدان الأوفياء بمهمتهم علي أكمل وجه وشكر التباع السائق علي الكوب.

وبعد فترة قصيرة توقف الميني باص في إشارة لكنها كانت إشارة طويلة نسبيا,, وقام التباع –وقد أدركه التعب والملل بوضع كوب الشاي –الممتلئ إلي نصفه- علي سقف العربة الملاكي المنتظرة بجانبهم في الإشارة حيث إحتاج إلي أن يشعل إلي نفسه سيجارة وكان يبحث في جوبه عن علبة السجائر والولاعة.

وبعد مدة لا أعلمها أتي الفرج وإنحرفت السيارة يسارا حتي دخلت في طريق فارغ نسبيا فإنطلق السائق وقد شعر لدقائق أنه طيار  حربي. لكن فرحته لم تكتمل وإصطدم بالواقع حينما وجد الميني باص يصدر بعض الأصوات الغريبة وتوقف فجأة (لا أحتاج إلي أن أصف مشهد سقوط قطع الدومينو –الركاب الواقفة)

سأل التباع السائق:"هي هتعملها تاني؟!"
فرد عليه السائق وهو ينظر إلي فوق وقد تشبثت عيناه بنقطة وهمية في الفضاء فالوقت الذي حاول خلاله أن يدير المفتاح ليعطي قبلة الحياة لمحرك الميني باص مرة أخري ,,ربما كانت هذه النظرة تعني إستدعاءه لمواهب ما أو لحاسة سادسة :"الميكانيكي حذرني إنها هتفعلها,,وها هي تفعلها!"

علي أي حال فشلت مساعي السائق ونصائح التباع,,فقررا وجوب نزول بعض الركاب (المجدع) لدفع عربة الميني باص لكي يصلوا جميعهم أو يرفضوا فلا يصلوا جميعهم أيضا..

وافق بعض الركاب ونزلوا فيما طلب التباع من البقية أن ينزلوا لكي يخف وزن العربة ويستطيع (الجدعان) دفعها بسهولة,,فنزل البعض وتبقي حوالي أربعة أو خمسة ركاب وقد أصر التباع علي أن يجمع الأجرة من النازلين خوفا من أن يكون أي منهم قد وصل إلي وجهته في هذه البقعة التافهة من الطريق فوقف علي البوابة وجمع النقود من النازلين,,,

وبعد عدة محاولات فاشلة,,نجحت المحاولة الأخيرة ودار محرك العربة فيما جري التباع ليلحق بالباب المفتوح وقد أشار للركاب (اسف لم يعودوا ركاب) الواقفون فالشارع في ذهول –بإشارات الشكر والعرفان بالجميل وهو يشير إلي رأسه (ربما يقول لهم: جميلكم علي رأسي) وبعد دقائق كان الميني باص قد قطع ثلاثة أو أربعة محطات مهجورة وعندما وصلوا إلي أول محطة بها زبائن صدح التباع: "فاضية كراسي.. فاضية كراسي"

مينا ضياء
5\4\2013
8:58 PM

No comments:

Post a Comment