مسرح البطل
لمكان : أحد أفخم مسارح برودوايالزمان: الساعة الثامنة ونصف مساءً.
القاعة كاملة العدد,تمتلئ بالبدلات الفاخرة,وأرقي الفساتين الباريسية,الرجال إما يسحبون أنفاس مُضاعفة من السيجار أو يشعلون المزيد,والسيدات إما يقومون بالتهوية بمراوحهن الفاخرة,أويدخنً سجائر أويتحسسن ما تبقي من رمة حيوان سئ الحظ,فروته.
الإضاءة خافتة ,والجو معبأ بالعطور الباريسية مختلطة بأفخر أنواع التبغ , دافئ علي الرغم من أنه منتصف شهر يناير,غالباً بسبب التكدس المنظم في القاعة بالحضور.
الحضور لا يبالون بغلاء التذكرة ماداموا قد استطاعوا الحصول عليها,فأكثرهم ثراء ونفوذ استطاع الحصول عليها قبل العرض بشهر أوأكثر بشق الأنفس,الإقبال منقطع النظير,ليس هذا بسبب إثارة الرواية أوحبكتها الدرامية,لكنه
بسبب سمعة بطل الرواية (علي الرغم من افتقاده لأي من عناصر جذبه وتفوقه علي منافسيه من
الممثلين,لكنه استطاع إقصائهم عن المسرح بعدما اشتري في بادئ الأمر المسرح الذي قدمه للجمهور وهو ممثل كومبارس صغير وشهد لمعان نجمه وسطوة نفوذه يوماً بعد يوم,بعدها زاد أجره –بصفته ممثل وصاحب المسرح أيضا- وشهدت هذه الفترة شراءه للمسارح المجاورة,وجعلها كلها مُكرسة لعرض روايته التي قدمته للجمهور في أول مسيرته إلي هذه الساعة(,نفس الرواية الواحدة,نفس الإفيهات والقفشات,لكن بحكم الزمن يتغير الجمهور) ,فكان يتم التمثيل علي المسرح الرئيسي,و نقل العرض بشاشات عملاقة إلي المسارح الأخري التي إحتلت الحائط الأمامي من هذه المسارح الغنيمة بعدما قام بنزع خشبة المسرح لتتحول إلي دور سينيما تنقل العرض المسرحي من الدار الأم مباشرة,يحسب له إهتمامه أن يكون هذا النقل بالحجم الطبيعي,لكنة مهما حرص وحاول ظل الأبطال والممثلون وهو شخصياً يفتقرون إلي اليعد الثالث,فظلوا مُسطحين حبيسي تلك الشاشات أمام جمهور الدرجة الثالثة الذي لم يستطع دفع ثمن تذكرة دار المسرح الأم).
ينفتح الستار,,,
تبدأ المسرحية كالعادة بنفس البداية لكن الممثلون بحكم مهنتهم لايتضررون من تكرار النص مهما تكرر علي الرغم من علمهم بقيامهم بقولبة أنفسهم بأنفسهم وإطفاء موهبتهم بكسل خمود أرواحهم واختفاء الشغف منها. أما الجمهور فمنهم من هم يحضرون هذا العرض المكرر للمرة الأولي في حياتهم,ومع ذلك لم يستطيعوا منع انفسهم من الشعور بالملل من انطفاء الممثلين وتخمتهم,وأخرون يحضرون العرض مرة ثانية وثالثة أوأكثر وهم حالهم ليس بأفضل من سابقيهم لكنهم يدًعون أملهم في وجود الجديد ويدعون أن يتحول إدعائهم لنبؤة محققة ممنين أنفسهم بأن يكونوا المنجمين اللذين كذبوا,علي أن يكونوا الفقريين الذين صدقوا,ربما بسبب غلاء التذكرة أو إدمانهم حضورها ورتابته,علي أن نسبة كبيرة ممن حضروا العرض أكثر من خمس مرات( علي الرغم من إدعائهم دعائهم لله بتطوير نصه أو تحديثه,وقيامهم بسب الأبطال بعد العرض أمام من أعلنوا نقدهم العلني للمسرحية) يخشون في الحقيقة تعديل النص أو تغير الرواية التي إعتادوا النوم أثناء عرضها,يخشون ألا يقولوا الجمل مع الممثلين,وهم يحفظون متي يصرخون ومتي يبكون,متي يتنهدون ومتي يقفزون,,حتي وإن كانوا يدركون ضعف أدائهم المنير جليأً وسط المسرح المظلم وعلي الشاشات المسطحة.
تتوالي أحداث المسرحية,
ويستمر العرض كما ينص عليه النص, محفوظ ومكرر,لكن علي أي حال يتوالي التصعيد الدرامي بين الممثلون
والبطل,تزداد حرارة الأحداث المعروفة سلفاً لكن أي من المشاهد المحورية لم تخلو من صفافير الإعجاب والتسفيق الهيستيري,هذه الأصوات التي اكتشف أحد الحضور أنها يتم بثها من السماعات المثبته في أرجاء المسرح ومختفية بعناية,كان إكتشافه لها محض صدفة بحتة,كان بطلها تليفونه المحمول ,,عندما لم يطفئه وإكتفي بكتم صوته ليكتفي بملاحظة اهتزازه,لكنه لم يلاحظ الإهتزاز فقط,و سمع هو وكل من في القاعة صوت (درجن درجن درجن ينبعث ويشوش علي أصوات التصقيف) ليتم إيقاف هذه الأصوات سريعاً والبحث والتنقيب عن صاحب المحمول وطرده شر طردة أمام الحضور بشكل مبالغ فيه حتي يتم إلهاء الناس عن سبب وضع تلك السماعات المخفية (بخلاف السماعات الأصلية)
ونصل للذروة,
البطل جالس علي الجانب الأيمن من المسرح علي كرسي خشبي,أمامه منضدة يسند عليها يده اليمني,علي
يده اليمني يضع رأسه وفوق رأسه يده اليسري,,ويحرك رجليه يمينا ويساراً إلي الداخل والخارج في حركة روتينية بقصد إظهار إمعانه في التفكير العميق,,العميق جداً
لكن هذه الحركة تقل سرعتها ببطء علي غير عادة النص ,ويدخل أحد الأبناء من الجانب الأيسر للمسرح مهرولاً صائحاً :"إلحق يابا الواد حامو العيال ولاد الجزار بيجروا وراه بالسواطير حالفين ليصفوا دمه", ويتبعه أخيه من الناحية اليسري أيضاً ويقع أمام المنضدة ممزق الملابس يلهث وجبهته تقطر عرق ممزوج بدماء:" ولاد ال,,, المطاريد نشوا سعيد وهو واقف في الدكانة يابا",وفيما يلوذ الحضور بالصمت المهيب مترقبين ماذا سيفعل البطل ,تدخل زوجته يسبقها نحيبها ولطمها "يا حزنك يا جنات يا حزنك,عيالك دايرين تلطيش في أخوتهم في أوضهم دمهم مغرق البلاط,,قوم ربيهم بلاش يستقوا علي إخواتهم قبل مايموتوا مني",,,,,,,صمت مطبق وترقب.
تقل إضاءة المسرح ويتركز الضوء علي البطل,وهو محط أنظار الجميع,,,المسرح تكاد تسمع به صوت السكوت والصمت مختلط بضربات قلوب الحضور والممثلين .
ولا شئ!!!
لا شئ يحدث!!
تتغير ملامح الحضور من الترقب إلي الإندهاش عبر كل منهم عنها علي طريقته مستخدماً حواجبه وفمه وخدوده,,لم يتكلم أحد مع من بجواره,لكن كل يسأل نفسه :"هل تغير النص؟!"
هل توجد مفاجأة جديدة في المسرحية,هل قاموا بترتيب شئ جديد؟!
لكن علي المسرح كانت هناك تعابير أخري أخفتها عتمة الإضاءة,استغرب الممثلون,,,
وكان الملقن المخفي في ذلك الخندق يكاد (يتشقلب) محاولاً تلقين البطل ما يجب أن يقوله دون أن يُسمع صوته,لكن محاولاته بائت بالفشل,مخرج العرض كان مذهول هو الاخر,لكنه قرر إدخال موسيقي تصويرية ونقل الإضاءة إلي الأم وهي في وضع الثبات حتي يتسني للملقن التصرف,
كانت هذه كلها حيل متفق عليها قبل العرض,
وبالفعل,تم ذلك,وقام الملقن برمي نسخة من النص علي البطل بعدما كورها,لتصطدم بكتفه,
وفجأة
"طراخ"
يخبط البطل المنضدة بيده اليسري تنقل الإضاءة إليه ,وهو لايزال في نفس الوضع,ولم يتغير سوي وضع يده
اليسري,
ثم يسمعون جميعا صوت شخير يستمر لمدة سبعة ثوان,,وكانت هذه المفاجئة,,البطل قام بالإرتجال!!
فلق الملقن النص الذي بيده باحثاً عن هذا الصوت في النص
استنكرت السيدات هذه الطريقة السوقية في إظهار الغضب والتعبير عنه,فيما قام بعض الشباب بخبط بعضهم البعض ضاحكين من هذه المفاجئة.
وفجأة,,,,,ووسط توقعهم قيامه بالنهوض سابباً زوجة الجزار لاعنا خاش المطاريد متوعداً بسلخ الجزار وأولاده,يسمعون نفس الشخير ثانياً,وثالثاً
ليدركوا أن البطل نائم,,وتقول واحدة ممن إستنكرن سماع هذا الصوت "ياريته كان بيعترض ",,,يقع الستار.
مينا ضياء
11/3/2010
3:20 am