تأثير الفراشة Butterfly Effect

وهى تعنى حدوث شىء صغير جدا يؤدى لحدوث سلسلة من الأحداث المترتبة على هذا الشىء الصغير ..
ما أومن به هو أن كل شىء فى هذا الكون يتم بحسابات دقيقة بارعة لا قبل لنا بها ، كل شىء محسوب ومقدر بدقة بالغة وتدخلنا فى مثل هذه الأمور إنما يفسدها ولا يمكن أن يقومها بطريقة أو بأخرى .. حتى لو كان تدخلنا بسيطا تافها ...الصورة من أعمال مينا هاني

Saturday, 4 May 2013

أريخ طاهميدار

يرددون في كل يوم صباحا عند مصب النهر فالبحر: "الماء الماء, هو أصل الأحياء, منه الكل أتي وجاء, وإليه تعود الأشياء. ياصفاء ياصفاء (بأصوات مبرمجة مثل الإنسان الألي) – ثم يتحولون ليرددوا:"ياصفاء الماء ياصفاء الماء,,علي الأشياء ياصفاء الماء" –(علي نغمة يا صلاة الزين يا صلاة الزين)

هذا هو الطقس الصباحي لأبناء الجزيرة المنعزلة في المنطقة الغير مكتشفة من العالم..

وأنا هنا لا أدري من هو الذي سيكتشف الأخر,,هل سيكتشفون العالم أم سيكتشفهم العالم. وتري لو علم العالم بوجود سكان جزيرة بني (طاهميدار) سيفرحون أم ماذا؟! لا أدري.

وقف شيخ (طاهميدار) علي تبة عالية وأمامه جموع من السكان في مشهد أسطوري حيث كانت الشمس تشرق من ورائه وكأنها تخرج من فمه أو تدفع دفعا بكلماته المنسابة كالفيضان ببطئ الواثق,,,وإستكمل قائلا:"
            يا معشر بني طاهميدار,,إلي متي سنصمت علي الكفار,,لقد سمع الشاب المبلول (أي المحبوب من الألهة) الفاسق  (أريخ) وهو يردد قذاراته حول إلهينا بإعتبارهم مثلهم مثل الزرع والشجر والصخر !! لقد نفي (أريخ) عن البحر والنهر صفة الألوهية !! وجعلهم مثل بقية الأشياء يا ويحنا !!
            إن الحزن الذي حزنه كل من البحر والنهر لهو حزن عارم,,وإننا علي وشك الغرق في غضبهم حينما يمارسون الحب في موسم الشتاء القادم بعد عدة أيام!! أتدرون الخطر المحدق يا بني طاهميدار؟ يا ويلنا يا ويلنا,, ألم تشعروا بحزن البحر والنهر مما إقترفنا –بترك (أريخ)- يعيش في وسطنا طوال الشهور السابقة؟ ألم تلاحظوا إنقطاع المطر أي إنقطاع ممارسة الحب بين النهر والبحر فوق سمائنا المقدسة التي هي سريرهم ومستقر راحتهم؟
            إن البحر والنهر يبلغونكم يا بني البلل,,,أن غضبهم قارب علي القتل,,وإن حزنهم قارب علي ال..ال.."وتوقف الشيخ فجأة فيما لزاغت عينه فالفضاء فالوقت الذي إرتفعت أصوات الأمواج كنذير للغضب المنتظر,,وفجأة نظر شيخ (طاهميدار) إلي الجموع الواقفه أمامه وقال لهم وهو يرفع يده هافتا :"القصاص...القصاص"

وفجأة إنطلقت الجموع الطاهميدارية وتسلح كل منهم بما وجده في طريقه سواء جذع شجرة أو صخرة حادة فيما كان هناك بعض المحظوظين من أبناء الطبقات المسموح لها بالسكن في قرب الألهة التي إستطاعت الذهاب في غفلة من الزمن إلي منازلها علي الشاطئ لجلب الرماح والحراب لتصدر المشهد للقبد علي (أريخ) الجاف –أي الذي لم تشمله العناية الإلهية,,وبكلمات أخري أي الملعون.
إنطلق الجمع وهو يتوعد (أريخ) بالموت عطشا بعد أن يقوموا بإعتقاله وضربه حتي يتأدب قدر المستطاع علي نعت ألهتهم بصفة تقلل من شأنها ذلك المارق الأحمق اللافظ لنعمة النهر والبحر أصل كل الخليقة الذين وقتما أرادوا وجدت الموجودات وولدت المولودات.
إقتحم الغاضبون الكوخ الخاص ب(أريخ) لكنهم لم يجدوه هو أو أي من أهل بيته فقد بدا الكوخ وكأنه ترك لمدة غير محددة. فيما عثر بعضهم علي العشرات من القوارير الشديدة الشفافية محكمة الغلق وبداخل بعضها لفائف والبعض الأخر جلود الملفوفة لحيوانات ميتة...
تعالت أصوات الجموع التي أتت خصيصا لتأديب (أريخ) وأهل بيته وسلب حيواناته وبهائمة,,لكنهم لم يجدوا سوي بعض الملابس والأثاث البدائي وبهائمه فيما عدا فرسه المفضل.

وصل نبأ إختفاء (أريخ) من بيته إلي كبار شيوخ الجزيرة فالوقت الذي دب الذعر داخل البيوت كل سكان الجزيرة, لأنهم كانوا يعمون جيدا أن عقوبة أي شخص يساعد شخص مثل (أريخ) وأهله علي الإختفاء من العدالة الإلهية أن يلاقي بجانب (أريخ) نفس عقابه بأن يوضع علي كومة من القش ويبدأ حرقهم تدريجيا فالتوازي مع منعهم من الشرب طوال فترة الإعدام اللهم إلا إذا سعد وطرب البحر والنهر مما شاهدا وإكتفا بوصول العقاب إلي هذا الحد وقاموا بترجمة سعادتهم بممارسة بالحب ينتج عنها المطر الذي يعني إنتهاء العقاب بإرتواء المجرم وبالطبع بإطفاء النار التي كانت ستحرقه,,,لكن اليوم لم يكن فالسماء ولا سحابة واحدة لتعطي أمل لهم بتدخل الألهة لنجدتهم في حال العثور علي (أريخ) مختبئا في بيوتهم بدون علمهم (أو ربما قيام أبناء أي منهم بتخبئة (أريخ) وأهله من وراء أبائهم- هذا لأن (أريخ) كان محبوبا في وسط الشباب لقيامه بتلاوة هرطقاته في حق الألهة-البحر والنهر- علي مسامعهم)

بحثوا كثيرا في كل الجزيرة التي لم تطأها قدم بشر,,والتي لم يحاولوا أبدا الخروج منها لإعتقادهم بحرمانية خوض المياه (سواء بحر أو نهر) لأنها جسد الألهة,,,فالبحر هو الإله الغاضب,,,,المالح والذي يصدر دائما وأبدا أصوات غضب, والنهر هو الإلهة العذبة الحنون التي تعطف علي البشر بالسير في سلاسة وبالشرب منها لهم ولزرعهم ولبهائمهم حتي تسير في جسدهم بعدما تتلون باللون الأحمر لتعطي علامة حرمانية هذه النفس لأن الإلهة الحنون قد أرادت وقامت بالفعل بالسير بداخلها,,وعلي هذا فإن العنف المتبادل بين أهل (طاهميدار) قد توقف لحرمانية إراقة الدماء بينهم ولهذا أيضا كانت عقوبة الإعدام خاصتهم لا تقوم علي إراقة الدماء ولكن تقوم علي تجريد البشري المارق من أثار النهر في جسده.

لم يجد أهل (طاهميدار) أي أثر ل(أريخ) أو أهل بيته,,حتي فالمنطقة المحرمة في أعلي جبار الجزيرة, قام الشيخ الأعظم ل(طاهميدار) بسؤال مسؤل الأعداد في الجزيرة ليعرف ماذا إختفي مع (أريخ) وإذا ماكان (أريخ) قد قام بالفعل بالإختفاء من الجزيرة لربما بالسحر أو لم يختفي لكن إكتفي بتغير شكله هو وأهل بيته ودهن وجهه وجسده (وكذلك وجههم وجسدهم) ليصبحوا مثل عامة سكان طاهميدار.
عكف مسؤل الأعداد علي العمل لمدة يومان ليقوم بإحصاء أعداد البشر والحجر والشجر والبهائم ومقارنتها بالأعداد التي سبق وحصاها منذ عدة أيام –قبل إختفاء (أريخ).

وفي النهاية أعطي مسؤل الأعداد لشيخ (طاهميدار) النتيجة النهائية,,,بإختفاء رجل وزوجته وطفلان صغيران وحصان,,,وثلاثة أشجار من عمق الغابة الوسطي.

إنتشر الذعر والهلع بين أبناء (طاهميدار) فقد كان من الواجب أن يقدموا شخص أخر يدعي إسمه (أريخ) عوضا عن (أريخ) المختفي والذي ظنوا جميعه بأنه قد حول نفسه لدخان أو لبخار كعادته كما تجرأ من قبل ووضع قارورة بها بعض من ماء النهر (عطية الإلهة الحنون) علي النار وجعلها تتبخر كما وكأنها كانت تبكي لتعرضها للحرق. ولاموا أنفسهم جميعا علي تركهم (لأريخ) يفلت من العقاب مرتان

فشلوا فالعثور علي أخر يدعي (أريخ) فقد لعنوا هذا الإسم منذ بدأ (أريخ) بالنطق بفظائعه أي منذ ثلاثة عقود تقريبا..
نامت الجزيرة في خوف وحزن من غضب البحر والنهر وفقدوا القدرة علي التفكير فيما تنبأ شيخ (طاهميدار) بإقتراب حلول الغضب عليهم جميعا

أتي اليوم التالي بدون سحابة واحدة,,,وإستمر الجفاف لعدة أيام حتي فكر بعض الشيوخ في تقديم أفضلهم كأضحية للبحر والنهر , وكانت فكرة تقديم أفضلهم بكل بساطة هي أن يعطف كل من البحر والنهر علي الشيخ الفاضل ويرفضون موته,وفي نفس الوقت يفرحون بما قدمه البشر من بوادر للتضحية فيمارسون الحب ويسقط المطر علي الجزيرة البائسة,,,

تم شوي الشيخ الأول,,,وفي اليوم الثاني تم شوي الشيخ الثاني,,وإستمر الحال لمدة شهر من الأضاحي البشرية حتي فني الصف الأول من قادة الجزيرة,,,وإستمر الحال حتي قرروا تقديم ثلاثون شيخ وشاب وفتاة مرة واحدة للبحر والنهر . وتم إعداد محرقة خاصة لهذا الحدث الضخم من حيث الكم,,وحينما بدأت مراسم حفل الباربكيو ظهرت فجأة سحابة صغيرة وفكروا في التوقف,,تردد أهل (طاهميدار) في التوقف عن إكمال مراسم الشوي لكن يأسهم دفعهم لإكمال المراسم حتي يرضي البحر والنهر,,,وفجأة حلت عاصفة كبيرة بعد مقتل أخر أضحية فبدأ أهل (طاهميدار) فالتهليل بإسم البحر والنهر لكنهم لم يكملوا هتافهم حتي رأوا عدة صواعق تضرب الشجر فيشتعل,,,,فقفزوا جميعا من فوق الجبل المقدس خوفا من صواعق الألهة التي لم تقبل ندمهم.

مينا ضياء
4/5/2013
7:31 pm

No comments:

Post a Comment