يبدوا أن الألم والإرهاق كانا قادران علي
إخراجه من دائرة الإدراك عندما إستسلم فرحا ومتشوقا للنوم. كانت رغبته فالغيب عن
الوعي قوية إلي درجة أن لذة الإرتخاءأعصابه وعضلاته ومفصلات جسده قد أسكرته بعد
يوم شاق في عمل مرهق تحت شمس جعلته كالخروف المشوي عندما رجع إلي منزله مغيبها
فأكل ما إستطاع فكه أن يهضمه بما تبقي في جسده من طاقة وإغتسل وقد شارف علي فقدان
الوعي ثم رقد في سلام علي سريره المصنوع خصيصا له منذ تمرد جسده علي سرير الأطفال
الذي صنعه له والده فإضطر أن يصنع له سرير يليق برجل وزنا وحجما.
كان في حالة السكون التي يستطيع خلالها أن
يسمع أصوات أنفاسه, بل وأصوات ضربات قلبه وتدفق الدم من خلال عروقه وأصوات مفصلاته
المجهدة وهي تئن. كان جسده يريد التقلب علي أي من جانبيه, لكنه لم يدخر ولا الطاقة
ولا العزم المطلوبان لذلك,فما كان له سوي أن يقنع ذهنه نفسه أنا قد تقلب وينام
الأن علي جانبه الأيمن بينما لم يكن هذا هو ما حدث لكن مخه كان قد قام بما يقوم
به, فضخ مايفيد بحدوث التقلب إلي أن إستطاع جسده بشكل تلقائي ولا إرادي أن يتقلب
ببطئ شديد حتي سكن علي جانبه الأيمن فتدفق سيل من المعلومات من كل نقطة في ذلك
الجانب المرهق إلي المخ ليقوم بإخبار كل قطع الجسد المنفصلة بأن أماكنها تغيرت عما
كانت عليه.
كان وعيه غارقا تحت طبقات من السحاب الرمادي
والأصوات البعيدة الجوفاء..لم يبدوا أنه سيحلم. لم يكن يريد أن يحلم علي أي حال
فقد إكتفي بما رأه في يومه. وعدم الحلم ربما يعني راحة الذهن.
سمع من بعيد بين طيات الطبقات الهلامية
الموجودة حوله أصوات عربات مسرعة,,ورأي أمامه دخان أزرق يتمايل بين فراغات السحب
الرمادية. كانت أصوات محركات العربات تتزايد فتزداد معها حدة وقطر خيط الدخان
الأزرق فيصطدم بالسحب الرمادية بعنف متسارع..حتي توقفت فجأة أصوات المحركات فسكن
معها الدخان الأزرق وإبتدأ يعود بهدوء إلي تخانته الحقيقية وهو يتمايل بهدوء وكسل
علي نحو غير منتظم.
فجأة سمع أصوات أبواب العربات فتحت وأغلقت
فتوقف الخيط الأزرق وتجمد في مكانه علي نحو مريب. ثم ساد السكون للحظات...
وبدون مقدمات سمع عدة خبطات متزامنة مع
إنفجار الخيط الدخاني الأزرق وسط المحيط الرمادي وشعر أنه يتم سحبه إلي محور هذا
الإنفجار حتي وجد يد تهبط علي رقبته وتسحبه من ياقة بيجامته ففتح عينه وهو لا يفهم
هل هذا كابوس أم حقيقة.. وهل كان نائما من الأساس أم لا..
أزاح بعنف اليد التي سحبته وهو يتراجع في
سريره إلي الحائط الموجود علي يساره وهو فزع من كم الأفراد المتدفقين من بوابة
غرفته الموجودة علي يمين سريره.
تذكر أنه لم يأكل أي شئ صعب الهضم, فإستبعد
أن تكون إفرازات مخه تسببت في حلم عنيف, لكنه يري الأفراد غريبي الشكل غاضبي
الملامح بعضهم يلبس النظامي والبعض الأخر يلبس ما تيسر من الهلاهيل يتدفقون داخل
الحجرة علي الرغم من تخطيهم للسعة الممكنة والغير ممكنة لها, وجميعهم يصرخون
بكلمات مختلفة كثيرة في نفس الوقت علي نحو متناغم حتي بدا وكأنه قد سقط في وسط
أحبالهم الصوتية بغير فهم ولا إستمتاع.
لم يدرك أنه قد صحي من نومه إلا عندما وجد
الصف الأمامي من المقتحمين جميعهم يحاولون أن يمسكوه بعنف ليسحبوه, في البداية
قاوم لكنهم بعدما قفزوا علي السرير الذي صنعه له إياه أبيه قبل أن يموت بشهر
فإنهار بهم السرير وسقطوا جميعا, فأخذتهم الأرضية هي الأخري وسقطوا وهم فوق
المرتبة بقية الأدوار حتي وصلوا إلي بير السلم.
لم يصدق مايحدث إلا أنه شعر بالألم من جراء
السقطة والإصطدام بالأرض, ونظر حولة فوجد الغبار وقد إنتشر ووجد أيضا بير السلم
وما تبقي سليم من السلم (فقد إنهارت أجزاء من السلم من جراء السقوط) وقد إمتلئوا عن
أخرهم بالغاضبين. ولكنه لم يجد الفرصة ليقوم حتي وجد كل من حوله وقد عاجلوه
بالأقلام والأقفية والشلاليت وما إستطاعوا من الغز العشوائي بما وجد في أيديهم وهم
يهتفون هتافات غير منتظمة قوامها كلمات :"الله أكبر يابن الوسخة,,الله أكبر
يابن دين الكلب.....إلخ"
وجد نفسه يحمل في موكب التلطيش والبذائات من
بير السلم ورأي أمه تنظر له في هلع من شباك المطبخ ورأي بعض أصدقاءه يجرون ويتركون
الشارع مستغلين إنشغال الجموع به.. حتي رموه هيلا بيلا بداخل البوكس فحاولت الجموع
الطاهرة من الجيران أن تقتحم عليه البوكس فتصدي لها بعض العساكر فإكتفت الجموع
الطاهرة بإلقاء الحجارة عليه وهو يحاول حماية رأسه ووجهه علي نحو يرثي له.
وصل إلي القسم بعد أن تم رجمه ورجم البوكس
وقد أدرك أنه في الواقع,فلو كان هذا كابوسا لوجد أمه أتت لتعطيه كوب ماء وتوقظه
لتنهي معاناته... لكن هذا لم يحدث.
نزل من البوكس بشكل حذر فوجدهم يدفعونه في
عنف وهو يحاول أن يخفي وجهه ورأسه لكي يتفادي المفاجأت الغير سارة ممن حوله..
وقف أمام المحقق وقد كانت حالته يرثي
لها,,ملابسه ممزقة,,وفوق حاجبه الأيمن جرح قطعي طوله 3 سم جراء الرمي بالحجارة
بالإضافة إلي عدة خربشات عميقة وطويلة تمت عن طريق أظافر اللاطمين الطاهرة وعلامات
اللطم وعلي كل وجهه ورقبته بخلاف الكدمات الموجودة في كل أنحاء جسده من أول قفصه
الصدري مرورا بيداه ورجليه.
نظر له المحقق الكبير السن, حليق الذقن رمادي
الشعر يلبس قميص بولو أزرق وقد وضع معطفه الثقيل وراءه علي الكرسي,,حك المحقق أنفه
بظهر كفه الأيمن ونظر للكاتب السبعيني اللابس نظارة عتيقة وبدلة كاروهات سمني
الجالس بجانبه وقال له:"لا تكتب إلا حينما أقول لك" وعاد ينظر للمتهم فيما
هز الكاتب رأسه في خنوع..
نظر المحقق للمتهم وقال له بهدوء :"إعترف
وإعتذر." ومد يده اليمني وقد نزلت أصابعها بالتتابع علي المكتب فتعطي إيقاع متكرر
لإرهاب المتهم. فيما كانت يده اليسري تبحث عن شئ ما في جيب معطفه الموجود وراءه.
تعجب المتهم مما سمعه لكنه لم يكن قادرا علي
أن يبين هذا علي ملامح وجهه,,فإكتفي بالنظر للمحقق وسؤاله بهدوء :"أعترف
بماذا؟"
إمتعض المحقق من سؤال المتهم وتوقف عن
الإيقاع الذي قام به بأصابعه, فخبط المكتب الموضوع أمامه وهو يصيح:"أصدقائك
قد دونوا ما قلته... لقد أسئت لنا عندما قلت أن من سيأتون بعدك كاذبون"
نظر له المتهم وقد إبتسم علي الرغم من تألم
وجهه وشفتاه إلا أنه قاله له بهدوء :"أليس من المفروض أن تحقق معي في وجود
محامي خاص بي؟"
إبتسم المحقق وهو يمد يده ليمسك كوب ماء
موضوع أمامه ويشربه ببطء,,, ثم ينظر إلي السقف ويقول ببطء مصطنع:"المفروض دا
يابن الوسخة لو كنت عملت أي حاجة تانية..."
رد المتهم في تحدي :"لا تشتمني,, أنا
أحذرك."
إنفعل المحقق وهو يشيح بيداه حتي أسقط الكوب
الفارغ لكنه لم يبالي وهو يقول:" تحذر مين ياض!! إعترف وإعتذر حالا,, أصدقائك
دونوا ما قلته عندما أسئت لنا بقولك أن من سيأتون بعدك كاذبون."
رد المتهم بلامبالاة :"نعم, قلت هذا..
لكني لا أري مايدعوا للإعتذار."
نظر له المحقق في غضب حتي إحمر وجهه وقاربت
عيناه علي الخروج من مكانهما وهو يشق قميصه البولو:"قد إعترف" ورجع
بسرعة إلي جيب معطفه فأخرج مسجل صوتي وقربه من فمه وهو يقول:" نهاية التحقيق
مع المتهم. قام حورس إبن النجار بالإعتراف بإزدراء رموزنا.وجاري ررفع القضية إلي
الدوائر الأعلي ...إنتهي التحقيق"
مينا ضياء.
8/10/2012
2:27
am
من فضلك لو عجبتك الشخبطة دوس شير وإبعد عن كوبي وبيست,,,شكرا :)
من فضلك لو عجبتك الشخبطة دوس شير وإبعد عن كوبي وبيست,,,شكرا :)
No comments:
Post a Comment