تأثير الفراشة Butterfly Effect

وهى تعنى حدوث شىء صغير جدا يؤدى لحدوث سلسلة من الأحداث المترتبة على هذا الشىء الصغير ..
ما أومن به هو أن كل شىء فى هذا الكون يتم بحسابات دقيقة بارعة لا قبل لنا بها ، كل شىء محسوب ومقدر بدقة بالغة وتدخلنا فى مثل هذه الأمور إنما يفسدها ولا يمكن أن يقومها بطريقة أو بأخرى .. حتى لو كان تدخلنا بسيطا تافها ...الصورة من أعمال مينا هاني

Friday 14 September 2012

وحيد في المحطة

لم يحتاج أ. أن ينظر في ساعته ليدرك أنه قد تأخر في رحلة العودة إلي منزل أهله في حي متوسط الرقي والسكان والقماماة علي جانبي الطريق.

كان أ. في طريقه لمحطة الأتوبيس ممنيا نفسه بأن يكون ممن السبعة المحظوظين بالمظلة ليحتمي من المطر الهادر الذي بدأ منذ حوالي خمس دقائق  في حين أن الطريق من مكتب عمله إلي المحطة يستغرق 10 دقائق علي الأقدام.

وصل أ. إلي المحطة ووجد ستة أفراد مبتلي الملامح يلبسون بالطوهات مبتلة وقد رفعوا ياقاتها المبتلة لتغطي أقفيتهم المبتلة تحت قبعاتهم المبتلة. شكر أ. إله المطر علي إيجاده مكان تحت المظلة ليقف ويستمتع بإنقطاع قطرات الماء عن جسمه المبتل.

إنتظر أ. لدقائق وهو ينظر للشجر المنحني أمام الرياح والمطر المنهمر الذي يقوم بدوره بغسل أوراق الشجر وجذوعه وسيقانه من التراب إلي أن أفاق أ. علي عطسة ورائه مباشرة وشعر برذاذها وهو يمر خلف أذنه اليسري. فنظر وراءه ووجد إمرأة عجوز وهي تهرول باحثة في حقيبتها عن منديل وتعتذر له في نفس الوقت. نظر أ. فوقه فوجدها وقد وقفت خارج حدود المظلة فوخزه ضميره ومسكها من ذراعها الأيسر وهي لازالت تبحث عن منديل ووشدها برفق لتأخذ مكانه تحت المظلة.

وقف أ. مكان العجوز وعرفت قطرات المطر طريقها إلي مابين رقبته وياقته وتسللت إلي جسده فأدرك وجوب إحكام اعزل نفسه وشرع في ذلك.

وبعد 15 دقيقة أتي الأتوبيس في هدوء حتي لاتنزلق العجلات فوق الأرض المبتلة وإقترب من اليسار ببطئ حتي توقف أمام المظلة. وبعد لحظة إنفتح الباب الأمامي للأتوبيس وكان لسوء الحظ مكان الباب من أ. أبعد مايكون. فتكون شبه طابور أوله الرجل الواقف علي يمين المظله وأخره أ. الواقف علي اليسار خارج ووراء المظلة.

دخلوا في هدوء وهم يمسحون أرجلهم في سلم الأتوبيس إلي أن وصل أ. إلي البوابة فوجدها وهي تغلق ووجد السائق يعتذر له بإكتمال العدد ونظر أ. في إستغراب إلي السائق الهادئ والغير بمبتل وهو يقول له أن ينتظر وكأنه يقول رسالة مسجلة وهو ينظر أمامه في لامبالاة لم يتمني أ. ان يواجهها في مثل هذه الظروف وفي مثل هذه الأوقات التي يكاد يتسرب خلالها ماء المطر من ثنايا نسيج ملابسه إلي داخل جسده من خلال مسامه وكأنه إسفنجة. تحرك الأتوبيس وشعر أ. أنه أبله مثل سبونج بوب للحظات. وقرر أن يعود ليجلس تحت المظلة وحده فجلس علي الكرسي الأيمن وأخرج صحيفة مبتلة من جيب سترته وحاول أن يفتحها فوجد أن الورق قد إلتصق ببعضه البعض. فحاول أكثر ولجأ إلي أظافره فإنقطع جزء من الورقة الأولي والثانية والثالثة من حافة الثنية الموجودة في وسط الصفحة إلي وسط الثنية نفسها,,,شعر أ. بالإحباط فحاول أن يقرأ الصفحة الأولي فوجدها وقد ساحت أغلب حروفها وربما قد إختلطت بحروف الصفحة الثانية والثالثة.

لم يقدر أ. أن يقرأ موضوعا محددا, لكنه إستطاع أن يقرأ بعض الكلمات وأن ويربطها بأخري ليكون مواضيع ربما تكون غير صحيحة ولكنها الأكثر منطقية طبقا للمعطيات التي يراها في جثة الصحيفة الموجودة في يديه. فرغ أ. من محاولات القراءة والتخمين. فنظر إلي اليسار في هدوء وهو يعيد تطبيق الصحيفة ليلمع بها زجاج غرفة نومه حال حالفه الحظ ووصل إليها ولبس قفازات كان قد نسي أن يلبسها لتقيه من البرودة والبلل.

إنتظر أ. فترة تفوق ما توقع أن ينتظره. وظل يلوم القدر الذي جعل السيدة العجوز تعطس في قفاه فيضطر أن يضحي هو بمكانه تحت المظلة. فقد كان يمكن أن تعطس في قفا أي واحد ممن كانوا علي يمينه. ولام نفسه أيضا لقيامه بإعطاء مكانه للعجوز لربما إذا كانت هي أخر من فالطابور رقت نفس السائق وإضطر لقبول زبون زائد – فلن تكون نهاية العالم- ولن يكون من الشهامة أن يترك السائق السيدة العجوز وحدها في هذا الوقت المتأخر وتحت هذه الكميات من المطر!

وأخيرا وبعد طول إنتظار أتي الأتوبيس المنتظر وكانت مفاجأة ل أ. أنه لم يجد أحد في الأتوبيس سوي السائق وقد شعر أ. بشئ يربطه بالسائق. ربما كان البلل. صعد ودفع الأجرة وجلس في الكرسي التالي للسائق وسأله في إستغراب :"أين ذهب الركاب؟!"

السائق:" المكاتب والشركات والبنوك في الناحية الشمالية سمحوا لموظفيهم بالخروج ساعة قبل معادهم بسبب سوء الأحوال الجوية"
أ.:"سحقا لأقدار, هل تعلم بأنني كنت علي وشك العمل مع أحد هذه المكاتب بمقابل أعلي من الذي أقبضه الأن؟!"

ضحك السائق ونظر أمامه إلي الطريق, ونظر أ. من الشباك علي يساره إلي الأشجار المرصوصة بعشوائية وهو يحلم بملمس بيجامته الدافئ والخالي من البلل.

ظهرت من بعيد المحطة التالية وكان موجود بها حشد كبير من الجماهير داخل وخارج بل وعلي المظلة نفسها ونظر إليهم أ. وهو يفكر في نفسه عندما كان أخر من فالصف ولم يقدر أن يركب الأتوبيس السابق وسأل نفسه :"ياتري من منكم سيحالفه الحظ لينتظر الأتوبيس التالي؟!" لكن السائق لم يتوقف وتجاهل الحشد وزاد من سرعته عندما إقترب من المحطة عكس الطبيعي. فتعجب أ. وسأله:"لماذا لم تقف؟"
السائق:"الوقود علي وشك الإنتهاء ولن نصل إلي وجهتنا إذا ما زادت حمولة الأتوبيس"
أ.:"ولكن لا يصح أن تتركهم هكذا! كان يجب أن تتزود بالوقود قبل أن تنطلق في الرحلة!"
رد السائق في فتور:"معك حق,,قل لي أي محطة راديو تود أن تسمع؟"
أ.:"إذاعة الأغاني القديمة"
وبالفعل, قام السائق بتشغيل الراديو وفرح أ. لإستجابة السائق التي هي بمثابة رشوة مقنعة حتي لا يكلمه عمن تركهم في المحطة السابقة والمتوقع أن يتركهم فالمحطات القادمة.

للحظات شعر أ. أن الطبيعة والأقدار يصالحانه ويكافئانه لأنه إنتظر هذا الأتوبيس وحده وبدَي من عطست في قفاه علي نفسه, فقرر القدر أن يخصص له أتوبيس مخصوص له وحده ليجلس كل خمسة دقائق علي مقعد جديد حتي يمل.

وبعد مرور أربعة أو خمسة أغاني وصل الأتوبيس إلي تقاطع الطريق مع خط السكة الحديد,,فأبطأ السائق وتوقف تماما قبل المزلقان لينتظر أن يمر القطار الأتي أولا,,ولكنه لم يوقف محرك السيارة ووقف وطلب من أ. أن ينتظره لدقيقة فهو سيذهب ليلقي حاجته وسط الشجر ورجاه أن يأخذ مكانه ليبقي علي الموتور دائرا حتي لا يفصل ويفقدوا القدرة علي الوصول لأقرب محطة وقود فهي علي بعد 20 دقيقة. وافق أ. في هدوء وأخذ مكان السائق بينما خرج السائق وهو يشكره وقد بدا عليه الهرولة وضحك أ. وهو يقول في سره:"مسكين...مزنوق"!

سمع أ. صوت خبطة خضته للحظة نظرا لوجوده فالظلام وسط الطريق وحده فالأتوبيس, لكنه لم يرد أن يبدوا خائفا في نظر السائق فلم ينده عليه.

مرت دقيقتان منذ سمع أ. الخبطة وقد بدأ أ. في التململ, صحيح أنه قد وافق أن يأخذ مكان السائق,لكن هذا لا يعني أن يلطعه السائق هذه اللطعة المهببة! وبعد عشرة دقائق كان أ. قد غضب تماما وقرر أن يذيق السائق كأس تعليقاته السخيفة التي طالما إشتهر بها وسط زملاءه, إلا أنه قرر أن يرحمه في حال معرفته بإصابة السائق بإمساك مثلا لاقدر الله.

وبعد مرور خمسة عشر دقيقة منذ سمع أ. الخبطة وشعوره بالغضب تجاه السائق, فجأة وجد أصوات عربات تأتي من الأمام والخلف وبعد تركيز وجده الطريق أمامه وخلفه في المرايا ينير بالأحمر والأزرق وسمع سارينة الشرطة وفي غضون لحظات وجدهم يحاصرون الأتوبيس ويطلبون منه النزول وهو رافع يداه فوق رأسه.

لم يفهم أ. ما يجري لكنه أدرك أنه ربما يكون ضيف الكاميرا الخفية للموسم القادم وتخيل للحظات ردود أفعال زملائه وهم يعلقون علي هذه الحلقة علي يوتيوب فقرر أن يحوز علي إعجابهم ويكون نجم هذا الموسم للكاميرا الخفية بلا منازع.

بالفعل قرر أ. أن يستجيب لنداء الشرطة وأعجب بإتقانهم للدور وتقدم ناحية الظابط الأكبر سنا وهو رافع يده خلف رأسه وقال له:"ماذا تريدون أيها المزعجون" ولم يلبث أن يكمل الجملة حتي وجد نفسه وقد سحب ووضع في عربة ترحيلات وحده وإنطلقت العربة به في سرعة مجنونة وهو لا يفهم ماذا يحدث!

وصل أ. بعد قليل إلي قسم الشرطة وودخل مكتب رئيس شرطة المقاطعة فوجده هو الرجل الذي فار في وجهه وهو يظنه كومبارس ترك السينيما وإتجه إلي الكاميرا الخفية.
أدرك أ. أنه في مشكلة,لكنه للأسف لم يفهم ماجري,, فسأل وهو جالس علي كرسي التحقيقات:"ماذا يجري؟"
أجاب رئيس الشرطة والكومبارس الفاشل المتجه للكاميرا الخفية في رأي أ. وهو ينحني إلي الأمام ويده اليمني تفرك في لحيته البنية ويده اليسري تشير بعصبية إلي إتجاهات مختلفة معطية رسالة لا معني لها سوي نفاذ الصبر :"قل لنا أين النصف مليون التي سرقتها من مقر شركة الحافلات وهربت بالحافلة يا لص؟ "
ذهل أ. مما سمع وقال له:"إيه؟" وهو يرفع حاجبيه
سأله رئيس الشرطة والكومبارس الفاشل المتجه للكاميرا الخفية وقد زادت حركات يده وتشنج جسده تحت الملابس : "النصف مليون يا حرامي..."
أجاب أ. في براءة :"أنا تعرضت للخداع!"
رئيس الشرطة وقد إستمر في حركة يده ورفع حاجبه الأيسر: "وحياة أمك؟!"
رد أ. وهو يحاول أن يتذكر ذكريات البلل :"لقد ركبت مع السائق وطلب مني أن أحرص علي الإبقاء علي موتور الأتوبيس دائرا حتي يقضي حاجته ويعود!"
أجاب رئيس الشرطة في تحدي وهو يعود بظهره إلي الوراء في كرسيه وقد إرتخت عضلاته وأصبحت يداه أقل حدة في الحركة :"لم يكن هناك أحد في محيط الأتوبيس غيرك بداخل الأتوبيس علي مقعد السائق يدك علي عجلة القيادة"
شعر أ. أنه سليمان الحكيم وقال علي طريقة (وجدتها):"يمكنك ترفع البصمات الموجودة علي عجلة القيادة وتضاهيها ببصماتي إذا" ثم صمت فجأة وهو يحلمق في الحائط خلف رئيس الشرطة.
فسأله رئيس الشرطة في ضجر:"غالي والطلب رخيص"

فيما لم يرد أ. عليه وظل ينظر إلي الحائط...فقد تذكر أن كل من السائق وهو قد إرتديا قفازات.

مينا ضياء
15/9/2012
4:04 PM

لو الهري عاجبك وعايز تدوس شير إتفضل, بس إبعد عم زرار كوبي وبيست من فضلك :)

الجزء الثاني: من داخل كيس القمامة

4 comments:

  1. Before I proceed Mina, it should write :
    طبقا
    وليس
    تبقا
    "لكنها الأكثر منطقية تبقا للمعطيات"

    ReplyDelete