تعامدت الشمس في ذلك اليوم الحار قاصدة رأس "علي" الصغيرة المكسوة بشعر قصير خشن كخشونة حياته ... كان يتحرك ببطء حاملاً أكياساً منتخفة من البلاستيك مملؤة بأحجام متفاوتة من الزجاجات الفارغة .... وبالرغم من أن الزجاجات فارغة إلا أنه لم يقوى على حملها لضئالة جسده ... واصل التحرك وتوقف في ميدان "الجيزة" يبحث عن سيارة أجرة (ميكروباص) تقله والزجاجات دون أجرة اضافية
بعد محاولات متكررة من الفشل نجح أخيراً في القفز بداخل إحدى السيارات ... جلس بجوار النافذة وعدل من وضع الأكياس بحيث لا تتجاوز حدود مقعده واستند بمرفقيه على الأكياس ممسكاً بأجرته في يديه الصغيرتين منتظراً اكتمال عدد الركاب ...
بعد لحظات قليلة امتلأت السيارة بالركاب ... وجلس إلى جواره شاب في منتصف العشرينيات تظهر على ملامحه علامات الجدية والهدوء ..
اسرع السائق في طلب الأجرة بعد أن تحرك أمتار قليلة في اتجاه شارع الهرم
السائق: الأجرة يا حضرات
علي ممسكاً بالجنيه: خد واحد يا عمو
السائق: جنيه كمان يا كابتن
علي: جنيه تاني ليه ؟! ... العربيات الكبيرة كلها بتروح بجنيه واحد بس
السائق (بعصبية): طب خد الجنيه بتاعك وانزل اركب العربيات الكبيرة
هم "علي" على حمل أكياسه وبدأ في النزول فأوقفه الشاب وأعطى للسائق جنيهاً ..... في بادئ الأمر رفض "علي" وأصر أن يرد الجنيه للشاب ولكنه استسلم أخيراً بعدما ابتسم الشاب له قائلاً: مافيهاش حاجة احنا اخوات .. أنت اسمك إيه ؟
رد "علي" متعجباً من طريقة الشاب فيبدو أنه لم يحظى بمثل هذا الاهتمام من الغرباء: علي
الشاب: أنت في سنة كام يا علي ؟
علي: رابعة إبتدائي
الشاب: وإيه الشيلة التقيلة دي يا علي ؟
علي: دي ازايز فاضية جايبهم من عند ستي وهاوديهم لأمي علشان المية بتقطع عندنا كتير
الشاب: أنت ساكن فين ؟
علي: في المساكن
الشاب: عندك اخوات؟
علي: عندي عشرة
الشاب (متعجباً من الرقم): أكبر منك ولا أصغر ؟
علي: خمسة أكبر وخمسة أصغر وأنا الوسطاني
الشاب: وبابا بيشتغل إيه ؟
علي: أبويا ميت
الشاب وقد ظهر على ملامحه الحزن: الله يرحمه ... اخواتك الكبار بيشتغلوا يا علي ؟
علي: لأ أكبر اخواتي لسه في المدرسة في ثانوية عامة
الشاب: نفسك في إيه يا علي ؟
علي: نفسي ابقى مهندس .... أمي قالت لي لو بقيت مهندس هترتاح ويبقى معاك فلوس كتير
ابتسم الشاب وهز رأسه في تعجب ثم سأله
الشاب: إيه أكتر مادة بتحبها في المدرسة ؟
علي: العلوم والحساب ... بأجيب فيهم درجات عالية
الشاب: بتجيب فيهم درجات عالية حاجة وبتحبهم حاجة تانية
علي: ما أنا بحبهم علشان كده بأجيب فيهم أعلى درجات
الشاب: أنا مبسوط بيك يا علي خلي بالك من مامتك واخواتك الصغيرين ...أنا هانزل بقى يا علي علشان بيتي هنا
وألتفت الشاب للسائق قائلاً: هانزل هنا من فضلك
علي: أنت في الجامعة ؟
الشاب (وهو نازل من السيارة): لأ أنا خلصت وباشتغل مهندس
نزل الشاب من السيارة ووقف يودع "علي" بنظره ولوح "علي" للشاب فابتسم له الشاب... وظل واقفاً يتابع سيارة الأجرة حتى غابت وغاب معها علي وزجاجاته الفارغة في وسط الزحام
مينا هاني
3-8-2014
2:00 am